قضايا وآراء

«نصف نجاح» هو عنوان الجولة السادسة

| عبد المنعم علي عيسى

لا يمكن الركون للتصريحات التي أطلقها المبعوث الأممي غير بيدرسون في أعقاب انتهاء الجولة السادسة من أعمال «اللجنة الدستورية»، الذي وصف النتائج التي خلصت إليها تلك الجولة بأنها «مخيبة الآمال»، ولا الركون أيضاً لمؤشر يعيره الكثيرون أهمية لا بأس بها، ذاك المتمثل بالإعلان عن انتهاء المحادثات يوم الجمعة الماضي من دون تحديد موعد لانعقاد الجولة المقبلة، نقول لا يمكن الركون لذينك المؤشرين للوصول إلى نتيجة مفادها أن الجولة سابقة الذكر كانت قد خلصت إلى «صفر نتائج»، أو أنها لم تختلف عن سابقاتها الخمس التي كانت تتصف بالمراوحة عند نقاط خلافية أبرزها المفاهيم والمصطلحات وصولاً إلى ترتيب الأولويات التي كانت متباينة بشكل ملحوظ، فالراجح هو أن المبعوث الأممي كان قد أطلق تعبيره آنف الذكر انطلاقاً من «الآمال» التي كانت تنعشها المناخات الإقليمية والدولية على حد سواء، وهي في المجمل كانت تشير إلى إمكان حدوث اختراق أكبر من ذلك الذي تحقق، ثم إن عدم تحديد موعد للجولة المقبلة يمكن أن يفهم على أنه إجراء تقني فحسب، بمعنى أنه يهدف إلى إتاحة الفرصة أمام المتفاوضين للوصول إلى تقاطعات قد تفضي إلى تقاربات يمكن أن تتزايد بفعل رياح دولية ما انفكت تراكم في الأفق السوري المزيد من إشارات الإيجاب.
تقوم مشروعية الفرضية السابقة على عدة معطيات من شأنها أن تعزز الاستنتاج الذي أردنا الوصول إليه عبر القول بأن الجولة الأخيرة كانت هي الأهم من بين الجولات الست التي انعقدت حتى الآن، ومن أبرزها، أي أبرز تلك المعطيات، حصول محادثات مباشرة بين وفدي الحكومة والمعارضة السوريين، وللأمر أهميته انطلاقاً من كونه يمثل مؤشراً إلى انكسار «الحاجز النفسي» الذي حال في الجولات السابقة دون حصول فعل من هذا النوع، من دون أن يعني ذلك إلغاء لتأثير الخارج الذي كان فاعلاً في الحالتين، فقد بدأ الوفدان وكأنهما جاءا إلى طاولة المفاوضات ولديهما ما يكفي من التصميم على تجاوز كل دوافع «الخناق» التي حفلت بها الجولات السابقة، فقد طغى على المصطلحات والمفردات المستخدمة صبغة الدبلوماسية التي كانت كفيلة بنزع العديد من الصواعق، وصولاً إلى خلق مناخات «إسفنجية» كانت قادرة على امتصاص عوامل التوتر تلك التي كانت تأتي بها الأخبار القادمة من إدلب ومحيطها، وكذا من قلب دمشق التي شهدت، في الغضون، انفجاراً إرهابياً، وهذا مؤشر على وجود «تفاهمات» تجعل من عمل «اللجنة المصغرة» مستقلاً عن أي تطورات ميدانية، ثم بمعزل عن تأثيراتها أيا يكن المدى الذي تصل إليه، ومنها أيضاً، أي من تلك المعطيات، بروز ملمح مهم تشي به مواقف الدول الفاعلة على الساحة السورية، وهو يقضي بتوافق فيما بين هذي الأخيرة على اختصار العملية السياسية، التي يفترض أن تفضي لتسوية الأزمة السورية، بالوصول إلى «إصلاح دستوري» يجري بتوافق أطراف النزاع الداخليين ربطاً بتوافقات خارجية يبدو أنها ماضية نحو التبلور في أعقاب التلاقي الروسي الأميركي الحاصل ما بعد قمة جنيف بين الطرفين شهر حزيران الماضي، وما تلاها من خطوات راحت تظهر المزيد منها.
يمكن القول: إن الجولة السادسة كانت قد اختصت بمناقشة «المبادئ الدستورية» وفقاً لثلاث ورقات تقدم بها كل من وفد الحكومة السورية ووفد المعارضة ثم وفد المجتمع المدني، ففي الوقت الذي ركز فيه الأول على السيادة ومواجهة المشاريع الانفصالية وشبه الانفصالية، ثم التأكيد على أن سورية هي جزء من الوطن العربي، والتزام الدولة بمواجهة الإرهاب والفكر المتطرف، وصولاً إلى اعتبار الجيش مؤسسة وطنية مسؤولة عن حماية البلاد من الإرهاب والاحتلال، ذهب وفد المعارضة إلى طروحات جرى التركيز من خلالها على ضرورة بناء الجيش والمؤسسات الأمنية بطريقة «احترافية»، بمعنى أن تصبح بعيدة عن استقطابات السياسة واصطفافات المحاور، لتكتفي الورقة المقدمة من الوفد المدني بالتركيز على مبدأ سيادة القانون، وضمان الحريات، وتكافؤ الفرص.
هذا لا يشير إلى تباعدات لا مجال لحدوث تقاطعات فيما بينها، فالمؤكد أن سورية المستقبل يجب أن تأخذ بتلك الطروحات من دون إغفال أي بند منها، بحيث يحوي لباسها الجديد جزءاً من كل تلك «الزراكش»، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار لعوامل مهمة من نوع درجة التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي التي تفرض سقوفاً لبعض المطالب، إذ لطالما كان من المؤكد أن السياسة، ونماذج الحكم السياسية، ليست إلا انعكاساً للحقائق الاجتماعية والاقتصادية.
هذا المسار إيجابي، لكن السلبية فيه تتأتى من أنه قد يستغرق وقتاً طويلاً قد يمتد لسنوات، وأمر كهذا يحمل مخاطر عدة، من نوع المصالح المتغيرة بفعل التطورات للدول الفاعلة على الساحة السورية، وفعلٌ كهذا يضع احتمال عودة الأمور إلى النقطة التي انطلقت منها أمراً وارداً في كل لحظة، والإيجابية يمكن أن تزداد مفاعيلها في حال ذهبت جامعة الدول العربية باتجاه لعب دور فاعل في التسوية السياسية المفترضة للأزمة السورية، الأمر الذي يفترض أولاً عودة الطرفين، أي سورية وجامعة الدول العربية، إلى بعضهما بعضاً، والفعل من شأنه أن يتيح تشكيل لجنة متابعة عربية قادرة على ملء الفراغات الحاصلة فيما بين الأدوار التي يمارسها اللاعبون، بمختلف صنوفهم، على الساحة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن