ثقافة وفن

الأسرة في تناقضات العولمة والثقافات الوافدة

| د. رحيم هادي الشمخي

إن الإحساس الشديد بالأسرة والاهتمام بها يعودان لسبب واحد هو أن الحياة الأسرية النقية هي البنية الأولى في بناء الإنسان السوي والمجتمع المتكامل، والشعب المتحضر والأمة ذات الرسالة الإنسانية الخالدة في الحفاظ على الأسرة وتحصينها من الخطأ والزلل والانحراف نحو الهاوية في هذا العصر الذي تتفشى فيه تأثيرات العولمة على هوية الأسرة وثقافتها الوطنية والقومية.

الأسرة والمتغيرات

من الأمور الأساسية التي تساعد في تحصين الأسرة من مساوئ الانحراف المجتمعي والعائلي مراقبة الأطفال من قبل الأب والأم لما يتناولونه في أحاديثهم داخل البيت وخارجه والمشاركة الجدية في تهذيب بعض ألفاظهم التي لا تتفق مع العادات والتقاليد المجتمعية العربية المعاصرة، كما يراقب الأطفال من مجاملة أبناء السوء الذين يفككون حرمة العائلة بأساليبهم الخاصة والمزرية والتي تسيء إلى سمعة العائلة أو المجتمع، ولهذا فمن القضايا التي تواجه الأسرة في الألفية الثالثة وتفكك تحصينها هو المتغير الاجتماعي الذي يشير إليه الباحثون والذي يقول: إن الأسرة تعيش في تناقضات ومتغيرات العولمة والثقافات الواردة من خارج المجتمعات العربية، كما يشير الباحثون إلى واجبات التربية والتعليم في تحصين الأسرة، فالأسرة مطالبة ومنذ السنوات السابقة باكتساب مهارات التعامل مع التقنية التي تحيط بها ولكن بما يتلاءم وطبيعة التراث ومتطلبات الحضارة في غرس روح التربية الأسرية التي تغذي طاقات الأطفال في التسامح والصدق والصراحة واحترام أفراد الأسرة في جميع المجالات الحيوية لنبني مجتمعاً خالياً من الانزلاق نحو الهاوية وبناء العلاقات الأسرية المعاصرة، فمن القضايا التي تواجه الأسرة العربية حالياً ما يردها من الثقافات الوافدة المسمومة مما ينصب على الترابط الاجتماعي الأسري، ما يجعل أفراد هذه الأسرة يقلدون كما ما يورد على مسامعهم ومقلداً من قبل أطفالهم وحتى صغارهم وكبارهم ما يستدعي وضع برامج لتحصين وجود الأسرة من التفكيك ونسيان كل ما هو جوهري ونبيل في مجتمعهم الذي يعيشون فيه، ولا ريب فإن حماية أفراد الأسرة ومستقبلهم لا بد أن يكون بواسطة البحث العلمي التخصصي لتنشئهم تنشئة وطنية وصحية، وبهوية قادرة على الصمود والتصدي لعمليات تمييع الثقافة الوطنية أو التشكيك في الانتماء العربي، وعلى الوالدين في الأسرة والمدرسة والإعلام وأيضاً النوادي ومنظمات المجتمع المدني ولاسيما أن الألفية الثالثة دخلت علينا وقد انضم الكمبيوتر والانترنت كوسائل معرفية ووسائل تسلية إلى جانب القنوات الفضائية لتشكل طيفاً معرفياً سواء كان سلبياً أو إيجابياً على الطفل بصورة خاصة والأسرة بصورة عامة لكنه أيضاً يمثل خطورة فيما يبثه من تأثيرات سلبية على أفراد الأسرة وإذا ما أردنا أن نعمل على تحصين الأسرة العربية بجدية فلا بد لنا من وضع برامج تربوية هادفة من شأنها التصدي للتيارات العولمية التي تريد مصادرة هوية الأسرة العربية وتشويه معالمها الحضارية وماضيها في تربية الطفل وجعله قادراً على أن يكون قائداً اجتماعياً وسياسياً وعلمياً في أسرته ووطنه، علينا الحذر مما يردنا من الكتب المسمومة والمطبوعات التي تشوه فكر الأسرة (كتب- كراسات- مجلات- صور- فولدرات) هدفها تزييف العقول وتغيير المعتقدات الأسرية، ومثال ذلك استطاع الفكر الغربي في مجال السينما أن يروج لصورة البطل الغربي في طرح شخصيات وهمية وخيالية وغير مقبولة ذوقاً ولا سلوكاً ولا إرثاً اجتماعياً أو تربوياً من أمثال شخصيات (بات مان- وسوبرمان- والرجل الوردي- الرجل الحديدي- ورجل الفضاء- وكراندايزر) وغير ذلك من الشخصيات التي لا تعد ولا تحصى والتي تنسابق للترويج للفكر الغربي في مجال تفكيك الأسرة العربية وتلطيخ سمعتها الراقية عبر التاريخ، لأن الأسرة العربية هي أسرة الموروث الحضاري وكأن المسؤولين في المؤسسات التربوية والاجتماعية العربية لا يشعرون بهذه الخطورة الكامنة وراء هذه الهمجية الثقافية الشرسة لتفكيك الأسرة، ويقومون بوضع أسس تربوية من شأنها تحصين وجود الأسرة والمجتمع من خطورة تخريب العقل الأسري. والسؤال هو ماذا نعمل من أجل تحصين الأسرة؟

ماذا علينا أن نفعل؟

الجميع مطالبون بالوقوف بوجه هذه الهجمة الشرسة والتي تستهدف الأسرة العربية، وهي مسؤولية جمعية وليست فردية من خلال أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة ومن خلال الكتاب المدرسي، ومن خلال المطبوعات الموجهة للأسرة والتي تتصدى لهذه السياسات والأفكار الواردة بالقوة نفسها من الكفاءة والجودة والإبداع، لكي لا تكون أعمالنا وأطروحاتنا أقل جودة مما هو مطروح من قبلهم لتفكيك الأسرة وشل تطورها الإنساني، وهنا يكون استقطاب المبدعين والأكفاء من الكتّاب والمخرجين والرسامين والمؤلفين والفرق المسرحية سبيلاً للحفاظ على حصانة الأسرة وإنقاذها من الانزلاق الحضاري الجديد القادم من الغرب.

ويمكن لنا في مراجعة عامة أن القائمين في أحد المجتمعات العربية يرون أن نسب الطلاق الكثير قد أودت بحياة الأسرة نتيجة لعدم الاتفاق بين الزوج والزوجة في تسيير أمور الأسرة وبالتالي عدم تحصينها والخاسرون هم الأطفال الذي يتركون أباهم أو أمهم وهذه معضلة كبيرة من معضلات تفكك الأسرة واندثارها، والمطلوب معالجة ذلك من قبل «القانون الشرعي» فكثير من أسباب الطلاق بسيطة ويمكن حلها بسهولة إذا ما نظراً الطرفان إلى المصلحة العليا أن المجتمع الذي تنهدم فيه الأسرة لم يعد مجتمعاً، لنحافظ إذاً على وحدة الأسرة العربية ونحل مشاكلها وهي مشكلة غير مستعصية إذا تدخل فيها الفقهاء والعقلاء وذوو الشأن، ولا ننسى أن من الأسباب التي تساعد في عدم تحصين الأسرة هي معاناة المرأة من عنف ميداني عائلي لعدة أسباب منها عدم وجود رعاية للأسرة من قبل المؤسسات الاجتماعية والتربوية وفقدان التكافل الاجتماعي وعدم مساعدة العوائل المعنفة ووجود انفلات الأسري بعدم تأثير المدرسة التربوية لبناء جيل قادر على تحدي الفقر الذي استشرى في جميع المجتمعات العربية نتيجة العوز المادي والمالي مما جعل الأسرة تعيش في مشكلات جمة، هذه المشكلات أدت إلى تفكيك الأسرة وعدم السيطرة على تربية أبنائها ما أدى إلى انزلاق هؤلاء في متاهات الزمن الرديء، وهناك أمور ما زالت تهدد الأسرة وأبناءها منها استيراد المؤسسات التجارية لما يصنع من لعب للأطفال التي تستعمل كلعب للأطفال وهي تعبر عن القتل والإرهاب والسرقات والعنف الأسري وحقيقة الأمر أن الوضع الاقتصادي والمالي الذي تعاني منه أكثر الأسر العربية وكثرة الحروب في البلدان العربية وانشغال الحكومات العربية بمشكلاتها الداخلية وقلة الوعي الإعلامي والتربوي بشؤون الأسرة وكثرة المشكلات والتقييد بالعادات العشائرية أدت إلى التفكك الأسري ما جعل المختصين في شؤون الأسرى يبعدون كل البعد عن تحصين الأسرة من الانزلاق الأسري في ضوء متطلبات الحياة المجتمعية التي تأخذنا بالتطور في العالم المتحضر عصرياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن