اقتصاد

تسويق المواسم في «عرضه الثالث»!

علي هاشم

 

أدت الحكومة «قسطها» في إصدار قرار رأت فيه كفاية لضمان تدفق موسم الحبوب إلى صوامعها.. ولأنها فعلت هذا العام ما فعلته سابقاً، يحار المرء حيال ما يراودها من تفاؤل بأن الإتيان بذات الأفعال، قد يفضي لنتائج مختلفة؟!
قبل أسبوع، حُدد سعر القمح الذي شاءت الحكومة افتراضه «مجزيا» بـ«61» ليرة، وبالفعل، فقياسا بالأسعار العالمية وبسعر صرف الليرة مطلع الأسبوع الجاري، حافظ السعر على ما فيه من «جزاء».. خلال يومين أو ثلاثة، تكفل اتخاذ الدولار منحى صاعدا، بتحويل «المجزي» بداية الأسبوع لـ«مخز» في نهايته! والحال كذلك، يخيّل للمرء بأن الأسواق تحاول الصراخ بما لا تراه الحكومة خللاً في سياسة تسعيرها!..
في العامين السابق والأسبق، حيث يصعب إحصاء المرات التي بررت فيها المؤسسات المعنية الفشل في تسويق المواسم، خلصنا إلى نتيجة قاسية تحمل آلية التسعير -التي استنسخناها هذا العام- القسط الأكبر من مسؤوليتها، ولأن السعر «المجزي» مفهوم متحرك تبعاً لعوامل نقدية، فثمة ما يجب اليوم استدراكه قبل أن تفترس حساباتنا في حقل التسعير بيدر تسويق الموسم إلى الصوامع!
في الواقع، ليس ارتباط الأسعار المعتمدة لموسم الحبوب بسوق النقد «جدالاً بيزنطياً»، فهو أمرٌ تفرضه ظروف موضوعية تتبدى في الانفتاح الحرّ لبعض أهم مناطق الإنتاج على الأسعار العالمية، وانغلاقها أمام الداخلية تبعا للقطع الجغرافي مع مركز الدولة.
لكن الأمر يتعدى ذلك خطراً، فثمة تآمر -متفق عليه- على الاقتصاد الوطني، قوامه تلازم مريب بين اختلالات سوق الصرف على مدى سنوات الحرب، وبين مفاصل أساسية في دورة حياته.
وللاستدلال على ذلك يكفي استعادة بعض ما اعتمل سوق القطع مع كل اقتراب لموسم الشتاء وما نجم عنه من خسائر تكبدتها الحكومة عبر كتلة دعم المشتقات النفطية، تماما كما سارت عليه حال عملية تسويق موسم الحبوب التي ساهمت تبدلات سعر الصرف، رغم التسعير «المجزي» آنذاك، في دعم اللا جدوى من تسويقه!!
في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة، لا عقبات جوهرية تعترض تدفق المواسم للصوامع، حتى لو وجدت، فلا مشكلة يصعب حلها.. العين على مواسم المناطق الشمالية الشرقية التي أملت الحكومة استجرارها عبر منح الناقلين لها تعويضا بـ28 ليرة للكغ كان (مجزياً) بالفعل بداية الأسبوع، ويبدو أنه لم يعد كذلك في نهايته!
وسط الأمر الواقع هذا.. وبالنظر إلى أن تعويض النقل الذي كان ينقص بـ3 ليرات في العام السابق، لم يكف لتسويق الموسم، فإن بقاء سوق الصرف على حاله خلال أيام التسويق القادمة (إن لم يزدد سوءاً)، سيجبرنا على متابعة مشهد مكرر تجول صوره بين أكوام عشرات الآلاف من أطنان القمح المتعفن في عراء محافظة الحسكة!!
ذلك أن تماريننا الاقتصادية المعتادة، تجزم بأن «أعداءنا» على الجبهة الاقتصادية الأخرى، لن يتركوا لهدوء سوق الصرف سبيلاً، طالما أن هناك كيلوغراما واحداً يحتمل تسويقه إلى مراكزنا الحكومية، يدلل على ذلك -إضافة لتجارب الأعوام السابقة- الحملة المحمومة التي أطلقها ما يدعى «ائتلاف المعارضة» لجر المواسم بعيداً..
في تلخيص للممكن، يمكن للحكومة السعي إلى خيارات ثلاثة: أولها دعم استقرار سوق الصرف بأي ثمن أقله حتى نهاية الموسم، وما لم يحصل، فيمكنها الاستعاضة عنه بتحميل السعر على سلم متحرك مربوط إلى سعر الصرف، أو تحييده عن تقلبات سوق الصرف عبر تثبيت ليرة القمح على دولار ثابت للمحافظات الشرقية. وإلا، فلا مناص من اعتماد اليورو أو الدولار لتسعير بدلات النقل «كخدمة خارجية»، ما يشجع المزارعين على الدفاع عن مصلحتهم في السعر الحكومي» المجزي.. عندها، حتى لو تم منعهم قسراً من تسويق محاصيلهم للداخل، فلن نخرج من «فيلم المواسم» خاليي الوفاض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن