إعلام تحصيل حاصل..
وضاح عبد ربه :
سألني صديق: لماذا لم نكتب في «الوطن» ونعبر عن تضامننا مع الزميلة «الميادين» لما تعرضت له ولا تزال من عهر سعودي وعربي بتنا نحن السوريين معتادون عليه؟
أقول للصديق إن قناة «الميادين» تكاد تكون من القنوات القليلة التي أشاهدها وأعتبرها مصدراً رئيسياً للأخبار، وأضيف: إني أتابع هذا المشروع منذ انطلاقته وتربطني علاقة صداقة مع عدد كبير من القائمين عليه وأحترم مهنية القناة على الرغم من وجود عدد من الملاحظات على بعض الأداء وتحديداً تجاه تيارات سياسية دينية أعتبرها شخصياً خارج محور المقاومة وفي محور العداء لسورية وللمقاومين، ولن أتحدث عنها لأن الحديث هنا عن «الميادين» القناة وليس عن سياستها.
وأضيف: لو لم تحقق الميادين نجاحاً كبيراً وتحظى بثقة ملايين المشاهدين العرب وفضحت أكاذيب وألاعيب قنوات مثل «الجزيرة» و«العربية» وغيرهما من التي ينفق عليها سنوياً أضعاف أضعاف مخصصات الميادين لما كانت تعرضت لكل هذا الكره السعودي والضغوطات العربية لإيقاف البث على القمر السعودي القطري عربسات.
«الميادين» لا تحتاج إلى مقالات تضامنية ولا إلى وقفات شموع أو مظاهرات تنديد ووعيد. ما تحتاجه مثلها مثل أي وسيلة إعلامية هو تثبيت حضورها عند المشاهدين وكسب المزيد منهم والحفاظ على مكانتها كمصدر رئيسي وصانع للخبر، وهذا تحديداً ما لا يريده آل سعود المعتادون أن يكون الخبر من صناعة موظفيهم ومرتزقتهم ليروجوا ما يشاؤون من أكاذيب وروايات وأوهام، ولحماية مملكتهم من أي خبر قد يسيء إليهم أو إلى عرشهم أو حتى لسياساتهم التدميرية في العالم العربي أو التطبيعية مع إسرائيل التي بات أمراؤها يروجون لها.
في نهاية الثمانينيات وعشية حرب الخليج الأولى، أصدر الملك فهد بن عبد العزيز أوامره لشراء كل الصحف والمجلات الصادرة بلغة الضاد في أوروبا وبعض الدول العربية، في حين كلف أخاه سلمان (الحاكم الحالي) بتأسيس إمبراطوريات إعلامية سعودية في عاصمة الضباب لندن بهدف إسكات أي صوت قد تسول له نفسه انتقاد المملكة تجاه السماح لعشرات الآلاف من المارينز الأميركيين بالوجود على الأراضي المسلمة لشن هجوم على دولة مسلمة ثانية، وأيضاً للترويج لـ«بطولات» الجيش السعودي في عاصفة الصحراء التي كان فيها قائد قوات التحالف العربي خالد بن سلطان هو ذاته صاحب وناشر جريدة «الحياة» اللندنية!!
نجح آل سعود آنذاك في شراء أغلبية الكتاب والصحفيين العرب وكانوا أسخياء جداً معهم وكذلك عند تأسيس الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية التي وظفت برواتب خيالية كل الأقلام والمواهب العربية لتسكتها إلى الأبد.
كثيرون وصفوا هذه المرحلة بأنها نهاية الإعلام العربي وسقوطه إلى ما لا رجعة ما دامت أنظمة مثل النظام السعودي بات يتحكم فيه، واستمرت الحال على ما هي عليه من انحطاط حتى ظهرت قناة الجزيرة فاعتبرها البعض -وللأسف- بأنها أتت لكسر الحصار السعودي على الإعلام العربي، إلا أنه سرعان ما تبين أنها أداة لتيارات إسلامية ومشاريع سياسية غربية جهزت وروجت ودعمت ما سمي بالربيع العربي، فسقطت إلى الهاوية مثل شقيقتها «العربية» بعد أن أثبتت لجمهورها بأنها قناة تتحدث باسم عائلة حاكمة تمارس أبشع أنواع التضليل والكذب وتنفذ أجندات سياسية لا علاقة لها بالإعلام أو بالمهنية.. كل هذا الانحطاط الإعلامي مهد الطريق أمام قناة الميادين لتلد وتحقق نجاحاً بوقت قياسي، ولتعبئ ذاك الفراغ المهني الذي خلفته قناتا آل سعود وآل ثاني، فدعمتها قوى المقاومة التي كانت بدورها تبحث عن صحفيين مهنيين قادرين على إيصال الحقيقة لمشاهد عربي خذلته قنوات العربسات مجتمعة -الإخبارية والدينية والمنوعة- وكذلك بعد حجب القنوات السورية المقاومة بقرار أيضاً سعودي وقطري.
ما أريد إيصاله لصديقي ولغيره، هو ليس أني بطبيعة الحال متضامن مع «الميادين» وكادرها، بل بضرورة أن يترجم هذا «التضامن» بدعم هذه القناة كما كل الإعلام المقاوم بالخبر والمعلومة والسبق والتحليل الصحفي الصحيح وبالصورة التي تكذب كل أخبارهم ودجلهم الإعلامي.
فهكذا يُدعم الإعلام وهكذا يكسب مزيداً من الجمهور ويزعج أكثر فأكثر آل سعود ومن لف لفيفهم.
فما تعرضت له الميادين لم يكن نتيجة ظهور ضيف شتم السعودية، فآل سعود يُشتمون كل يوم آلاف المرات على عدد كبير من القنوات وفي الصحف والإذاعات، بل هو نتيجة نجاح القناة وفوزها في استقطاب عدد كبير من المشاهدين انتقل ليتابع الميادين بدلاً من «العربية» و«الجزيرة» ووجد فيها مصداقية وخبراً لا يمكن أن يجدهما في أي من القنوات الممولة والمملوكة من المشيخات والممالك.
مصيبتنا أننا نعرف كل ذلك ونعرف أن الحرب هي حرب إعلامية بامتياز، لكننا حتى الآن نتعامل مع الإعلام على أنه تابع، ونقطر له المعلومات بالقطارة ونخشى التعاون معه حتى لو كان صديقاً!
فمن يرد أن يتضامن مع «الميادين» فليزودها بالمعلومة والسبق والخبر الصحيح وليفتح المجال أمامها لتحصل على الصورة من قلب الحدث.. ولن أتطرق إلى الدعم المادي الكفيل بإعادة بعض الأقلام والوجوه التي هاجرت إلى معسكر البترو دولار وتبحث عن فرصة لـ«التكفير عن ذنوبها» والعودة إلى مكانها الطبيعي في معسكر الحق، كما يحافظ هذا الدعم على الأقلام والوجوه الأخرى المهددة يومياً بالهجرة والإذلال نتيجة سوء الوضع المادي والاقتصادي.. وهذا الأمر يصلح أيضاً للإعلام السوري المعاقب منذ أربع سنوات والذي لا يزال يرى فيه البعض من مسؤولينا على أنه «تحصيل حاصل»! لا بل هناك من يريد إسكاته لأنه يرى فيه تهديداً محتملاً على مستقبله السياسي، وخاصة هؤلاء الذين امتلأت جيوبهم ويرددون على مسمعنا يومياً دروساً في الأخلاق والوطنية والصمود والتصدي!