ثقافة وفن

الجرأة ليس لها حدود … سارة شمّة لـ«الوطن»: صورتي من مصادر إلهامي وأنا في تطور مستمر

| سوسن صيداوي- ت: طارق السعدوني

(الحب هو طريق للمعرفة)، وأن تحب نفسك وتعطيها لتكتشفها وتسير نحو طريق الإبداع، لهو أمر يجعل منك مميزاً ومدركاً أكثر لخطواتك في تحقيق ما تصبو إليه. هذه العبارة والقاعدة التي تتّبعها الفنانة التشكيلية العالمية سارة شمة، التي تميزت وتفردت بالأسلوب والمواضيع، كاسرة القيود، ذاهبة نحو جرأة مختلفة عما هو معتاد. واحتفاءً بـ25 عاماً من الإبداع والاحتراف التقت التشكيلية الجمهور في أمسية حوارية مفتوحة -في غاليري زوايا في دمشق- تناولت فيها الحديث عن منجزها الإبداعي التشكيلي، بإدارة الإعلامي ملهم الصالح، إذ بدأت الندوة بفيلم تسجيلي يُبدي عمق العلاقة بين سارة شمة والألوان واللوحات، ومحطاتها الأكاديمية والاحترافية في العالمية، لتجيب من بعدها عن أسئلة المحاور ومن ثم مداخلات الجمهور.

وبهذه المناسبة التقت «الوطـن» التشكيلية وحاورتها.

• رغم إقامتك في لندن إلا أن زياراتك لم تنقطع عن بلدك سورية حتى في شدّة الأزمة.. اليوم كيف تقابلين دمشق والجمهور الذي بانتظارك؟

بالفعل أنا لم انقطع عن بلدي في الزيارات، رغم الصعوبات المعقدة خلال السنوات العشر الماضية، وبمناسبة هذه الندوة الحوارية، أنا سعيدة لأنها ستتيح لي مقابلة المهتمين بالفن التشكيلي بالعموم، وبي على الخصوص. وبصراحة هنا نقطة مهمة أحب أن أشير إليها، الشام جميلة كعادتها، وأنا أتعلق ببلدي سورية في كل زيارة، ويكبر حبها بقلبي أكثر. إضافة إلى أن المرء عندما يعيش بالخارج وبالغربة، يصبح مُقدرا لكثير من الأمور التي لم يكن يقدرها عندما كان في بلده، وبالرغم من الأزمة وتبعاتها المريرة، إلا أن الحياة في سورية جميلة جداً وهي مستمرة وفيها الكثير من التحدي.

• من بعد «العبودية الحديثة» التي عملتي على تجسيدها في لوحاتك، ما الموضوعات التي ستقومين برسمها؟

في الوقت الحالي أحضّر لمعرضين اثنين في بريطانيا، واحد سيكون بمدينة لندن والآخر بمدينة كامبردج، إذ ستُعرض اللوحات بالمتاحف هناك، وواحد منها سيحكي عن المقابر التدمرية ويحكي عن الموت والخلود، على حين الثاني سيكون له علاقة بمجموعة من الغاليريات. وعندما يتم التحضير والتجهيز النهائي للعرض سأزودكم بالتفاصيل الدقيقة.

• البورتريه أساسي في أعمال سارة شمة.. ما تعقيبك؟

صحيح، واللوحة هي انعكاس اللاوعي العميق، وهي نتيجة لغوصي في مكنوناتي ودواخلي، ويمكنني أن أشبّه عيشي للحالة في رسمي للوحاتي، كما هي الحالة التي نعيشها عندما نصغي للموسيقا التي نحبها، فكيف تتجمّع الأفكار والخواطر والذكريات الملحة مع الأنغام، فالأمر واحد مع رسم الخطوط ومزج الألوان.

• وأنت تتميزين برسمك لنفسك المتكرر… لنتحدث أكثر عن هذا الأمر.

صورتي هي ملهم لي وخصوصاً أنني في تغيّر وتطور مستمر، سواء في عمري أم أفكاري وحتى في جسدي. هذا من جهة ومن جهة أخرى أعتقد أن المرء عندما يحب نفسه فهو قادر على حب الأخرين، وبالتالي يطور من نفسه وينمي إدراكه، ويكتشف خفايا شخصيته التي من الممكن أن تكون مهمة، ما يساعده في اكتشاف المحيطين، بالنهاية الحب هو طريق للمعرفة.

• أين أنت من الجرأة؟

الجرأة ليس لها حدود، ولكنها في بعض المجتمعات مقيّدة بالكثير من الأمور، فمثلا حاولنا هنا في سورية أن نرسم العري وأن نستأجر موديلاً، رغم أن الأمر كان متاحا وغير معقد في الستينيات، لكن واجهتنا اعتراضات كثيرة، متعلقة بالدين والعادات والتقاليد. ففكرة العري في الفن التشكيلي تحتاج للمثابرة سواء بإيجاد الموديل والاستمرار بالرسم الذي يحتاج إلى تمرين، وبالتالي ثقافتها غير موجود لدينا، وهي تتطلب جرأة لأنها ستكسر الحواجز، وبالنهاية يجب أن يكون الرسام جاهزاً ويعرف متى يعلّي صوته ليتمكن من إقناع المجتمع.

• ليوغل المرء بالعالمية عليه أن ينطلق من المحليات. ما رأيك؟

هذا الأمر حقيقي، فلوحاتي ملامحها محلية سورية، وخصوصاً أن موضيعها تجسد رفضا للواقع المجتمعي السائد بقضايا متعلقة مثلاً بالمرأة وبالأطفال وغيرها الكثير، وأنا أؤمن بمفهوم العالمية وخصوصاً عندما نحصد التأثير المطلوب.

• هل أنسنة الفن التشكيلي تجعله عالميا؟

عندما نتطرق بالفن إلى مواضيع عامة كعبودية الأطفال والنساء وغيره الكثير من الموضوعات الإنسانية الحساسية، هنا يصل الفن لشريحة أوسع من الناس، لكون الموضوع يلامسهم. ولكن هذا الأمر له جانب سلبي، بمعنى الاهتمام فقط بالموضوع يفقد الحرية بالإبداع، لأن العمل الفني يصبح موجّهاً وبعيداً عن القيمة الفنية، وفي هذه المرحلة يجب أن يكون الفنان التشكيلي مدركاً لخطورة هذا الأمر ويقوم بتحقيق التوازن، بين الموضوع الإنساني والقيم الفنية للعمل.

• هل التذوق والاهتمام بالفن التشكيلي من أحد أسباب سير عجلة الحركة وتقدمها في الغرب؟

هذا سبب ولكن هناك أسباب أخرى وجوهرية، فأنا مقيمة بمكان ليس بمتذوق للفن التشكيلي أكثر من بلدي سورية، ولكن في بريطانيا هناك مؤسسات تعتني بالفن التشكيلي بمجالات كثيرة، وهي حقاً مهتمة أكثر من سورية، ومن المؤسسات: المتاحف والأكاديميات المختلفة جداً باتجاهاتها، على حين في سورية لدينا كلية فنون واحدة واتجاهها واحد، وما ينقصنا هو أن الطالب يحتاج إلى مبادرة، لكون المناهج قائمة على التلقين بشكل دائم، وهذ الأمر يمتد إلى كل المدارس، فالرسم مدرج بالحصص المدرسية ولكن تنفيذه غير مجدٍ، حيث لا يتعلم الأطفال أسس الرسم البسيطة والخطوط أو مزج الألوان، على حين في الخارج الأطفال بعمر ثلاث سنوات وما فوق تأخذهم المدرسة إلى المتاحف، ويقومون بتثقيفهم، فالفن بالنسبة إليهم مثله مثل باقي العلوم، أما نحن فنعتبره أمراً ترفيهياً وكمالياً من دون قيمة.

وأخيراً ينمو الشباب السوري على فكرة التلقين البعيدة عن البحث والاكتشاف، فلا توجد ظروف تحتضن المبدع، بمعنى أننا ممكن أن نلتقي موهبة رائعة حقا، ولكن لا تحتضنها عائلتها بل يقولون له:(شو بدّك بهالمصلحة… ما بتطعمي خبز).

• في الختام كلمة منك توجهينها للفنانين الشباب.

أقول للشباب السوري المبدع، قوموا برسم وتنفيذ ما تحبونه، ولا تتأثروا بأي أحد أخر، كونوا مدرسة أنفسكم واشتغلوا بجدّ ومثابرة كي تكتشفوا ذاتكم وتحققوا النجاح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن