قضايا وآراء

التكنولوجيا والإنسان

| الدكتور قحطان السيوفي

الإنسان هو الذي ابتكر التكنولوجيا وطورها لتكون في خدمة البشر وليس لحرمانهم من وظائفهم أو لإفقارهم.
الإنسان لا يمكنه أن يخفي إعجابه وهو يرى التكنولوجيا ممثلة بآلات متطورة حديثة تنفذ في وقت قصير ودقة متناهية ما كان يحتاج لساعات عمل طويلة من شخص أو عدة أشخاص.
لاشك مع كل يوم تخطو التكنولوجيا خطوات كبيرة نحو ما نطلق عليه، جعل حياة الإنسان أسهل، وتكنولوجيا المعلومات أحدثت تغيراً هائلاً لقطاع كبير من القوة العاملة.
يرى البعض أجهزة الكمبيوتر وهي تؤتمت الأعمال فيستنتج أن البطالة الناشئة عن التكنولوجيا حتمية تقوم أجهزة الروبوت وغيرها من التكنولوجيات في الوقت الحالي بإحداث تحويلات جذرية في سلاسل الإنتاج والإمداد، من المنتج إلى المستهلك، وتقليل وقت الشحن وتكلفته، وأتمتة الأعمال الكتابية، وغير ذلك. تتولى التكنولوجيات الجديدة، باستخدام الذكاء الاصطناعي، القيام بالأعمال، فأجهزة الصرف الآلي أصبحت تقوم بمهام الصرافين في البنوك، وأصبحت برمجيات المحاسبة تقوم آليا بأعمال موظفي مسك الدفاتر.
وتستطيع الآن أجهزة الكمبيوتر تشخيص سرطان الثدي من الأشعة السينية والتنبؤ بمعدلات النجاة، ورغم أن أجهزة الكمبيوتر يمكن أن تقدم توقعات طبية دقيقة، فإنها تفتقر حتى الآن إلى اللمسة الإنسانية لتوجيه المريض في الخيارات الطبية العصيبة.
ولا يتوقع علماء الكمبيوتر أن تكتسب أجهزة الكمبيوتر تلك القدرات في أقرب وقت.
تاريخياً، بعض العباقرة كأنشتاين انحازوا ضد التكنولوجيا لأن الآلات في رأيهم زادت البطالة،
وخوف الإنسان من الآلات وإمكانية أن تحل محله انتقل من القرن التاسع عشر، إلى القرن الماضي، حيث ذكر الاقتصادي جون ماينارد كينز أن الآلات أحد أسباب البطالة التي شاركت في حالة الكساد.
اليوم هناك أيضاً لدى البعض مخاوف بشأن انتشار البطالة نتيجة للتكنولوجيا، أو ما يسمى البطالة التكنولوجية في بعض الأحيان، إذ تقضي التكنولوجيات الجديدة على بعض الوظائف بوجه عام، ولكنها توجد أحياناً طلبا على قدرات جديدة ووظائف جديدة.
ففي حالة ما، تحل الآلات الجديدة محل العاملين بوجه عام، وفي حالة أخرى، تزيحهم فحسب وتنقلهم إلى وظائف مختلفة تتطلب مهارات جديدة.
هواتف الشركات المؤتمتة تعني تناقص عدد موظفي تحويلة الهاتف لكن تزايد عدد موظفي الاستقبال الذين تولوا مهام التفاعل الإنساني التي كان موظفو تحويلة الهاتف يؤدونها في السابق.
تتناول دراسة حديثة الطريقة التي يمكن أن تؤدي بها أجهزة الكمبيوتر مهام وظيفية مختلفة،
وتنتهي إلى أن 47 في المئة من الوظائف في الولايات المتحدة تندرج تحت مهن معرضة بشدة لخطر الأتمتة خلال العقد المقبل.
إلا أن معدي الدراسة عادوا وأوضحوا أن نتائج الدراسة لا تعني بالضرورة البطالة التكنولوجية المستقبلية.
يتعين أن يعرف صانعو السياسات الطريق الذي تمضي فيه التكنولوجيا الجديدة. فإذا كانت تحل محل العمالة، فسيتعين عليهم التعامل مع البطالة إذا حدثت، حيث يمكن أن تؤدي التكنولوجيا الجديدة إلى زيادة الطلب على العاملين أصحاب المهارات الجديدة، وبالتالي فإن الأتمتة الحاسوبية لا تعني بالضرورة حدوث بطالة بل يمكن أيضاً أن تؤدي إلى زيادة الطلب على العاملين أصحاب المهارات الجديدة.
ثورة تكنولوجيا المعلومات تمضي بوتيرة متسارعة، ومن المتوقع أن تزود برمجيات الذكاء الاصطناعي أجهزة الكمبيوتر بقدرات جديدة هائلة على مدى الأعوام المقبلة، الأمر الذي قد تفقد فيه وظائف بعض المهن، إلا أن ذلك التقدم ليس سببا لليأس بشأن «نهاية العمل»، بل إنه سبب أكبر للتركيز على السياسات التي ستساعد أعدادا كبيرة من العاملين على اكتساب المعارف والمهارات اللازمة للعمل في هذه التكنولوجيا الجديدة.
تصاعد التنافس الاقتصادي والتكنولوجي بين أميركا والصين خلال العقد الماضي، هو سباق وجودي لتحقيق الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا بشكل عام والتحدي اليوم هو تحقيق نموذج للتعايش السلمي يسمح بالتنافس التكنولوجي بين الرؤى المتعارضة للعالم، والتعاون في الأمور الجيوسياسية بالنسبة لنا في سورية فنحن مغيّبون نوعاً ما حالياً عن سيطرة الآلة على حياتنا وخاصةً في القطاعات العامة الحكومية، واعتمادنا بشكل كبير على اليد العاملة، وبسبب ظروف الحرب والحصار الاقتصادي الظالم فإن البطالة موجودة تلقائياً وكذلك بسبب تدمير قسم من البنية التحتية وغياب بعض مقومات العمل من طاقة كهربائية ووقود باعتبارهما عصب الحياة وخاصة في الاقتصاد.
ثمة دلائل تشير إلى أن العالم يواجه تحدياً كبيراً في بناء قوة عاملة لديها المعرفة اللازمة لاستخدام التكنولوجيات الجديدة.
وإلى حين أن تلحق مؤسسات التدريب وأسواق العمل بهذا التغير، ستظل منافع تكنولوجيا المعلومات غير متاحة للجميع على نطاق واسع.
البطالة الناجمة عن التكنولوجيا لا تمثل مشكلة كبيرة اليوم، ولا يرجح أن تصبح مشكلة في المستقبل وينبغي ألا يركز صانعو السياسات على الاستجابة لتهديد لا هو محدد بشكل جيد ولا مؤكد الحدوث، وهو وهم البطالة التي ستنجم مستقبلاً عن التكنولوجيا.
ونأمل أن تبقى التكنولوجيا في خدمة الإنسان لجعل حياته أسهل حاضراً ومستقبلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن