قضايا وآراء

ابتزاز عبثي «بالمنشار جئناكم»

| أحمد ضيف الله

الحرب في اليمن عبثية، قالها قبلاً الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لقناة «سي إن إن» في الـ10 من كانون الأول 2017، مؤكداً أن «هذه الحرب تسبب، برأيي، معاناة مروعة للشعب اليمني»، مضيفاً: «أعتقد أنها حرب عبثية».

وفي مقابلة مع الإعلامية بولا يعقوبيان على تلفزيون «المستقبل» في الـ13 من كانون الثاني 2018، أعاد وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تكرار ذكر تغريدة له، وصف فيها حرب السعودية في اليمن بـ«العبثية».

صحيفة «الراية» القطرية، قالت في افتتاحيتها في الـ31 من آب 2019: إن «ما يحدث في اليمن حالياً وبالأخص في عدن ليس له تفسير سوى أنها حرب عبثية، تعمق من المأساة الإنسانية للشعب اليمني الشقيق»، مؤكدة أن «ما يحدث في اليمن من اقتتال واحتراب يؤلم ويحزن دولة قطر»!

كذلك قالت صحيفة «الشرق» القطرية في افتتاحية عددها الصادر في الـ2 من أيلول 2019: أن «اليمن تحمل من مآسي الحرب العبثية ما لم تحمله أي دولة في هذا العصر»، وأنه «حان الوقت لوقف هذه الحرب العبثية في اليمن».

إذن، لم يكن وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي هو الوحيد الذي قال في الـ5 من آب الماضي، أن الحرب اليمنية عبثية، قبل توزيره، بل سبقه آخرون كثر، فلماذا كل هذا الضجيج الخليجي العبثي؟!

الحرب على اليمن ليست عبثية فقط، بل إنها عدوانية ظالمة، ووجه آخر من السياسات الخليجية العبثية في المنطقة، خصوصاً السعودية والإمارات.

فما الذي جناه السعوديون من ضخ الآلاف من الوهابيين الملوثين عقلياً في العراق، ليفجروا أنفسهم في الأسواق والحافلات والمشافي والمساجد والكنائس والمصالح الحكومية، غير قتل الأبرياء من الشعب العراقي، وزرع الفتن بين مكوناته؟ ناهيك عن تصريحات سفيرها ثامر السبهان التحريضية الذي طردته بغداد.

مليارات الدولارات دفعها آل ـسعود لمحمد زهران علوش وللقتلة الذين على شاكلته، ليدمروا المدن السورية والبنى التحتية فوق رؤوس ساكنيها تحت راية جيش الإسلام! متسببين في قتل الآلاف من الأبرياء. ألم يكن التمويل السعودي وسياساته التدميرية في سورية عبثية، وتدخلاً وقحاً في شؤون دولة ذات سيادة؟

إن الترويج بأن لبنان يهرب المخدرات إلى السعودية، ادعاء سمج وساذج ومعيب، فما علاقة الدولة اللبنانية بذلك، فلو كانت المخدرات المهربة مصدرها فرنسا، فهل يعني أن الدولة الفرنسية تقوم بتهريب المخدرات إلى السعودية؟!

الأمير عبد المحسن بن وليد آل سعود، أو كما يسمى أمير الكبتاغون كان قد أُلقي القبض عليه في مطار رفيق الحريري ببيروت في الـ26 من تشرين الأول 2015، وهو يهم بتهريب طنين من حبوب الكبتاغون بطائرته الخاصة، ولم توجه الحكومة اللبنانية آنذاك اتهاماً للسعودية بالضلوع في التهريب، رغم أن له شركاء أمراء من آل سعود، بل إن السعودية مارست ضغوطاً هائلة على الدولة اللبنانية كالتي تجري الآن، ليفرج عنه ويغادر لبنان من دون أن يدفع قيمة الغرامة التي أصدرها القضاء بحقه والتي تزيد على 60 مليون دولار، كما أنه لم يحاكم في السعودية عند عودته!

قضية جورج قرداحي فتنة عبثية، لإسقاط حكومة نجيب ميقاتي، وإدخال الدولة اللبنانية في فراغ حكومي، فيما لو استقال وزير إعلامها، وتأجيل الانتخابات النيابية المقترحة في آذار 2022 إلى أجل غير مسمى، فليس بغريب، أن تطالب الأبواق الإسرائيلية والدويلات التطبيعية في الخليج العربي، وجماعة الحرية والاستقلال في لبنان، باستقالة الوزير قرداحي، استجابة للضغط السعودي! بينهم تيار المستقبل، الذي قام آل سعود بسجن زعيمهم وضربه وإذلاله وإجباره على إعلان استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية من السعودية أمام شاشات التلفزة، ولم يفلت من قبضة سجانيه، إلا بعد أن تدخل الرئيس الفرنسي لإطلاق سراحه، وعلى ذات الشاكلة، يطالب سمير جعجع أيضاً الذي باتت السعودية تراهن عليه لإثارة الفتن، وجر لبنان إلى حرب أهلية، باستقالة الوزير قرداحي، ولا نعرف إن كان هذا الطلب خدمة لآل سعود؟ أم لمشغليه الإسرائيليين؟ أم لتحالف الاثنين معاً.

سياسة الترهيب و«بالمنشار جئناكم»، ومصادرة الرأي الآخر والتدخل في شؤون الدول، لا يرعب أحراراً، ولا يخيف دولاً ذات سيادة، فالحقيقة بينة، لا يمكن أن تحجبها سحب الإعلام الخليجي ومن يدور في فلكه من أقلام مأجورة، فليتعقل آل سعود، وليتقوا اللـه في اليمن المظلوم، وفي الدماء التي تسببوا في سفكها في العراق وسورية، وليتعظوا مما جرى في أفغانستان ويعيدوا حساباتهم، فما يقومون به في لبنان هو أيضاً عبثي.

وببساطة، لن نصمت ما دامت دماء شهدائنا، ضحايا آل سعود، حاضرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن