ثقافة وفن

محب سورية في ذكرى رحيله الخامسة … ملحم بركات: سورية بلد العروبة والعطاء.. احتضنتني 14 عاماً وشهرتي ابتدأت منها

| وائل العدس

قبل خمس سنوات، فارق الموسيقار اللبناني ملحم بركات الحياة عن عمر ناهز 71 عاماً بعد صراع مع المرض، وسط أجواء من صادمة من الحزن، فغاب مع غياب الجسد الفاني، وبقي متجذراً فينا، في قلوبنا وفي نفوسنا.

صاحب «من بعدك لمين»، و«مرتي حلوة ما بطلقها» و»على بابي واقف قمرين»، اشتهر بحرصه على التراث الغنائي العربي مع إضفاء لمسة تطوير ما جعل لأغنياته طابعاً مميزاً جاذباً لفئات عمرية مختلفة.

طبع الراحل الأغنية العربية المعاصرة بأسلوبه اللحني الإبداعي وأدائه الذي يجمع بين الطرب الأصيل والغناء المتجدد، ويعتبر مجدداً في الأغنية وقيل عنه إنه سابق لعصره، إذ قدم نماذج من الأغنية الجديدة منذ ثمانينيات القرن الماضي.

لم يغنّ إلا باللهجة اللبنانية، ليس لعدم اهتمامه باللهجات الأخرى، بل قناعة ووفاء للذين صنعوا الأغنية اللبنانية وأوصلوها إلى كل الأقطار العربية والأجنبية.

أطلق عليه جورج إبراهيم الخوري عندما كان رئيس تحرير مجلة الشبكة لقب «الموسيقار»، ونال جوائز وأوسمة عديدة من دول ومؤسسات وجمعيات.

شخصية فيها الكثير من التنوع والثراء والديناميكية والخصوصية الفنية، وكلها صفات نهلها من روح الراحل الكبير فيلمون وهبة الذي عايشه على مدى سنـوات طويلة.

واحتفى محرك البحث «غوغل»، بذكرى ميلاد هذا المطرب والموسيقار الراحل، واضعاً صورة ملحم بركات على واجهة صفحته الرئيسة، تخليداً لذكرى وفاته الخامسة.

مطرب الضيعة

ولد الراحل في كفرشيما في 15 آب عام 1945، في كنف عائلة بسيطة وفقيرة، والده أنطون بركات كان نجاراً ويجيد العزف على العود وكان ملحم يصغي إليه باهتمام، يرقب أصابع يديه على آلة العود ويتعلم.

وعندما يتغيب الوالد، كان الصبي ملحم يقفز ويلتقط العود من على ظهر الخزانة ويدندن عليه، فيجتمع الصبية حوله يصفقون، ويلقبونه بـ«مطرب الضيعة».

ظهرت موهبته منذ كان تلميذاً في المدرسة، وكان يقوم بتلحين بعض الكلمات من الجريدة اليومية وقام بغنائها في إحدى المناسبات المدرسية.

وكان يستمتع بالغناء من جهة لمحمد عبد الوهاب، ولأم كلثوم من جهة أخرى. اشتهر منذ صباه كمغن في بلدته، حتى طلب منه مرة الغناء والعزف بين فصلي مسرحية «جنفياف» التي كانت تعرض في البلدة، فلفت انتباه الموسيقي حليم الرومي، الذي كان يسكن القرية ذاتها، فأثنى على موهبته وشجعه.

في مطلع شبابه طلب من والده أن يسمح له بدراسة الموسيقا، فكان جواب الأب: «هناك عبد الوهاب في الساحة وتريد أن تصبح فناناً؟» ومع ذلك ترك المدرسة وكان في السادسة عشرة من عمره، وقرر الالتحاق بالمعهد الوطني للموسيقا، فانتسب إليه من دون معرفة أبيه، وكان يُخبئ كتب المعهد في كيس ورقي يخفيه أمام مدخل منزله، إلى أن اكتشف والده الأمر، الذي عاد وقبل الأمر نظراً لإصرار ابنه وموهبته الواعدة.

درس النظريات الموسيقية والصولفاج والغناء الشرقي والعزف على آلة العود مدة أربع سنوات في المعهد الوطني للموسيقا (الكونسرفاتوار)، وكان من بين أساتذته، سليم الحلو وزكي ناصيف وتوفيق الباشا.

ترك المعهد قبل إكمال دراسته، فنصحه فيلمون وهبة أن يتوجه إلى مسرح الرحابنة وهكذا كان. فانضم إلى فرقة الأخوين رحباني، لكنه بعد أربعة أعوام، تركهما لكي يشق طريقه الفني ويبني شخصيته الموسيقية الطربية والتلحينية المتميزة لما يمتلكه من موهبة في هذين المجالين.

فكان يلحن في مسرحيات الأخوين رحباني، وبرنامج «ساعة وغنية» الذي سجل في التلفزيون الأردني، وكان على صداقة حميمة مع فيلمون وهبة ابن بلدته، فأثر فيه بلحنه الطربي ذي الطابع الشعبي الذي يصنف ضمن خانة «السهل الممتنع».

أولى البدايات

أغنية «الله كريم» التي كتبها له الراحل توفيق بركات ولحنها له جاره الراحل أيضاً فيلمون وهبي رسمت أولى بدايات ملحم الفنية.

كانت بداية مهمة لأن صوته كان مملوءاً وكاملاً والبعض كان يتوقع أن وديع الصافي هو الذي يغني، إلا أنه لم يقتنع بأغنية واحدة وعندها طالبهما بأغنية ثانية وكانت الأغنية الرائعة «سافر يا هوا» كلمات مصطفى محمود وألحان فيلمون وهبي، وبعدها تعرف إلى مارون نصر وقدم له أغنية «يا أسمر» بعد أن دفع له مبلغ 32 ليرة لبنانية مقابل الحصول عليها.

بدأ مسيرته التلحينية لعدد كبير من المطربين، نذكر منهم: وديع الصافي، وصباح، وسميرة توفيق، وماجدة الرومي، ووليد توفيق، وباسكال صقر، وربيع الخولي، وميشلين خليفة.

أول عمل مسرحي قام ببطولته مسرحية «الأميرة زمرد» ومن ثم «الربيع السابع» مع الأخوين رحباني، وبعد ذلك مسرحية «ومشيت بطريقي». وخاض غمار السينما وقام ببطولة فيلم «حبي لا يموت» مع النجمة هلا عون، كما أحيا إلى أمدٍ قريب الحفلات فوق المسارح العربية والعالمية.

مر بمرحلة فقر وظلم وعوز أيام الحرب، لكنه لمّا لحن أغنية «أبوكي مين يا صبية» للفنان وليد توفيق، كرت بعدها السبحة وانطلقت شهرته من جديد، فقدم: «علواه يا ليلى»، «عود يا حبيب الروح»، «يا لايمة ليش الملام»، «على بابي واقف قمرين»، إلخ.

الراحل وسورية

مع بداية اندلاع الحرب الإرهابية على سورية، لم يتوان الراحل من الإدلاء بموقفه حيث أبدى دعمه لسورية (جيشاً وشعباً وقائداً)، وقال في أحد تصريحاته: «لا أنسى فضل سورية عليّ، وأدعو اللـه أن يخلصها من محنتها».

الراحل وصف الحرب على سورية قائلاً: «عندما تشتعل تركيا لا تتأثر سورية، وعندما يشتعل لبنان لا تتأثر سورية، عندما تشتعل الأردن لا تتأثر سورية، حتى العراق عندما اشتعل لم تتأثر سورية، لكن حين حدث ما حدث في سورية، انظروا إلى كل دول الجوار ماذا حدث بها من مشاكل وأحداث تزعزعها.. هل تريدون أن تعرفوا لماذا؟ لأن سورية منذ الأزل ذات قيمة والجميع يحسب لها ألف حساب».

وروى الراحل في لقاء تلفزيوني ما حصل معه عندما اندلعت الحرب في لبنان وقام بالانتقال إلى سورية، وقال: «سورية بلد العروبة وبلد الخير والعطاء، احتضنتني 14 عاماً وشهرتي ابتدأت منها، فعندما وصلت دمشق أيام الحرب في لبنان كان معي 6 ليرات سورية فقط.. كنت أنام في سيارتي لمدة 18 يوماً وكنت آكل الفستق المالح».

وأضاف: «اللـه يرحم الرئيس حافظ الأسد، علم أنني أنام في سيارتي فأرسل لي شخصاً قال لي إن الرئيس يقول إن كنت تريد شقة أو سيارة أو مساعدة، وقال الشخص إن الرئيس عندما علم أنني أنام في سيارتي أبدى انزعاجه، فقدم لي المساعدة وتحسن وضعي».

كما قدّم بركات أغنية «بشار حامل رايتنا» إهداء للسيد الرئيس بشار الأسد.

وبعد أن كرمته حياً، أحيت سورية ذكراه قبل أربع سنوات بحفل أقيم في دار الأسد للثقافة والفنون، وخلال الحفل تم الكشف عن أغنية لبركات لحناً وغناء تحمل عنوان «اكتب اسمك ع تراب الشام» ومذيلة في نهايتها بأغنية من التراث الشامي «يا مال الشام».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن