اقتصاد

لماذا رفع المدير العـام دعـوى ضد «فريـــد»؟

| د. سعـد بساطة

فوجئ رئيس مجلس الإدارة بأحد الأعـضاء المهمين بالمجلس يضع خططاً ممعـنة بالتشاؤم، ويناقش بشكل محبط تفصيلات الخطة السنوية، درس صاحبنا سيرته الذاتية وهواياته فاكتشف أنه عـاشق لفريد الأطرش، ينام عـلى أغـانيه؛ ويصحو عـلى ألحانه، كان متأثراً به، بكلماته بمعـانيها ومضامينها، مما انعـكس عـلى نفسيته، ومعـلومكم غاص فريد الأطرش في مساحات الحزن في الحياة، حتى إنه لعن اليوم الذي ولد فيه، وغنى «عدت يا يوم مولدي / عدت يا أيها الشقي».

كان يترجم أحاسيسه في ألحان مميزة، جعلته أحد عمالقة الغناء والموسيقا العربية. لكن تلك الألحان كانت تخرج من نفس الجرح العميق في نفسه، حاملاً رائحة حالة انكسار لازمت حياته، خاصة بعد وفاة شقيقته أسمهان، بأغان خرجت من بيت الحزن. يرتدي صاحبنا (عـاشق فريد) القبعة السوداء؛ ففي كل مشكلة يرى عـوائق؛ وفي كل فرصة لا يجد سوى الكوارث، ويتفاجأ ببعض الأشخاص الذين ترتسم الابتسامة على وجوههم ويشعرون بقمة التفاؤل ونظرتهم المشرقة إلى الحياة.

ويعـتبر أن هذا التصرف ليس ناتجاً عن قوة خارقة وسحرية، أو مجرد سلوكيات إيجابية تعزز العقل والنظرة الإيجابية. فهنالك خطوات إيجابية تساهم بتعزيز الشعور بالتفاؤل: من تفكير إيجابي في الأوقات الصعبة؛ والابتعاد عن العلاقات السيئة؛ والاحتفال بانتصارات صغيرة، ولكن نصيحتي: «لا تدع التفاؤل يعوق أهدافك»، فلقد أشارت بعض الدراسات إلى أن وجهات النظر الإيجابية بشكل مفرط قد تأخذك إلى عقلية خيالية وتعوق وصولك إلى أهدافك، فمن المفضل التفكير بشكل واقعي لتحقيق نتائج مرضية. ولو مارسنا قراءة تحليلية شاملة لآفاق التطورات المحتملة على خشبة المسرح الدولي في المستقبل، وإذا صدقت نصف توقعاتنا وفق مسماها: «دليل المتشائم» للعام القادم فالغيوم السود المقيمة التي زادت النفوس تجهماً والسماء تلبداً في الآونة الأخيرة، من شأنها أن تجعل الأوضاع الصعبة أكثر صعوبة، فبعض ما يرد في الرؤية الاستشرافية، سواء على الصعيد الاقتصادي أم على الصعيد السياسي، يدعو إلى التشاؤم حقاً، ويحمل على الاعتقاد بأن سلسلة من الهزات المتتابعة سوف تصل ارتداداتها العنيفة إلى الشرق الأوسط على نحو مباشر، الأمر الذي سيزيد الأجواء المكفهرة اكفهراراً مضاعفاً. وهناك توقعات أخرى أشد إثارة، ولا سيما في مجال الحرب الاقتصادية العـالمية بإطار سلسلة من ردود الفعل الانتقامية المتبادلة بين البلدان الأكثر عرضة للركود والتراجع الاقتصادي، فستهوي أسعار الذهب، وأن قراصنة ترعاهم دول سيعطلون البنية التحتية والإنترنت ومحطات الطاقة، وهو ما يمكن اعتباره حرباً عالمية إلكترونية. وما علينا سوى مراجعة توقعات «نوسترداموس» للعام المقبل، حتى يعاف المرء مواصلة القراءة، وربما يقفز من مقعده جراء ما يتربص به من مفاجآت مثيرة. إذ يخبرنا ذلك الكاهن المولود في القرن السادس عشر بارتفاع حرارة الأرض، ونقص في المياه، وزيادة في التوترات، وبحروب بيولوجية وإرهاب، وضائقة مالية، وارتفاع في معدلات الفقر والبطالة، ولحسن الحظ لم يقل لنا شيئاً عن الأسعار والضرائب المنتظرة. وخلاصة القول، أن النفوس الملتاعة لديها ما يكفيها وأكثر من لواعج مؤلمة وجراح غائرة، وعندها ما يفيض على العالم من يأس وإحباطات قاسية، ونبوءات متطيرة، بحيث لم يعد الواحد منا بحاجة إلى دليل تشاؤم مستقبلي، ونحن نرى التطورات السلبية من حوله تسير من سيئ إلى أسوأ. يقول المدير – والكلام له وما أنا سوى ناقل – لو كان فريد حيّاً لرفعت عليه دعوى قضائية. وتتضمن لائحة الاتهام: بث الحزن، الكآبة، الإحباط، السوداوية في العـمل على مدى عشرات السنين. وضع أصبع صوته على الجروح، فراح ينكأ بها حفراً، ويرش عليها الملح، فتسيل دموع مرة من قلوب المحبين والسيئة حظوظهم. ختاماً أعتذر لفريد الأطرش وعشاقه، فقد كان صادقاً في أحاسيسه، ولا يزال أهم عمالقة الغناء والموسيقا، لكنه لم يستطع أن يرى كل الوردة، بل الشوك في الوردة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن