قضايا وآراء

الحروب الأميركية وسياسة غسل الدماغ

| تحسين الحلبي

يكشف الصحفي الأميركي ستارتيه بوتون والخبير بالصحافة الاستقصائية، في تحليل نشره في المجلة الإلكترونية «أنتي وور» في 27 أيلول الماضي بعنوان «كيف يغسل الإعلام الأميركي الأدمغة؟» أن الإدارات الأميركية أتقنت لعبة تضليل الجمهور الأميركي والغربي والتنكر لرأي أغلبية الشعب الأميركي وخاصة في موضوع شن الحروب «فقد عارض 84 بالمئة من الجمهور الأميركي بموجب استطلاعات الرأي مشاركة الجيش الأميركي في الحرب العالمية الثانية التي بدأت في أيلول 1939 وبقي معارضاً إلى أن تمكنت الإدارة الأميركية في كانون الأول 1941، أي بعد سنتين على الحرب، من استدراج اليابان لضرب أهداف عسكرية أميركية بعد أن حظرت أميركا تصدير النفط والحديد إلى اليابان ثم صادرت في تموز 1941 كل أملاك اليابان واليابانيين الموجودة في أميركا وأعدّت نفسها بعد هذه الإجراءات لرد فعل ياباني يبرر لها إعلان الحرب على اليابان، وسارعت آلة الإعلام الأميركية إلى تبرير مشاركتها في الحرب والتوسع بنشر قواتها في مختلف القارات»، ويضيف بوتون: «نجح الإعلام الأميركي بغسل دماغ الأميركيين في تحريضه على إيران واتهامها بالعمل على امتلاك السلاح النووي وجعل معظم الجمهور الأميركي يصدق أن إيران تسعى لامتلاك السلاح النووي وأن 16 بالمئة فقط من الجمهور الأميركي لا يصدق هذه الكذبة»، ويقول بوتون: «أصبحت إيران دولة الشر النووية بنظر الأميركيين برغم أن 52 بالمئة من الأميركيين يعلمون ويصدقون أن إسرائيل تملك عدداً من القنابل النووية» ولكنهم لا يتحدثون عن معاقبتها لأن الإدارة الأميركية لا تؤكد لهم هذا الاعتقاد الصحيح، ويذكر أن العالم كله سمع رئيس الحكومة الإسرائيلية في عام 2006 إيهود أولمرت أثناء مقابلة تلفزيونية نشرت نصها صحيفة «نيويورك تايمز» في 12 كانون الأول من العام نفسه كان قد أجراها مع قناة «كيبل 24 إن» الألمانية في 11 كانون الأول 2006 وقال أثناءها: «إن إيران تهدد إسرائيل بإنهاء وجودها وهي ترغب بامتلاك السلاح النووي لكي تصبح بالمستوى نفسه الذي تملك فيه أميركا وفرنسا وإسرائيل وروسيا الأسلحة النووية»، وقد وضع إسرائيل هنا كدولة نووية وتخلى بذلك أول رئيس حكومة إسرائيلية عن اتباع سياسة الغموض النووي التي سادت منذ امتلاك إسرائيل هذا السلاح في بداية الستينيات بدعم فرنسي بريطاني، وحاولت وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية خداع العالم بالإعلان أن تصريحه هذا مجرد زلة لسان وأبعدته عن التداول استمراراً في سياسة غسل الدماغ، علماً أن توقيته جاء بعد انهيار قدرة الردع الإسرائيلية في أعقاب هزيمة الجيش الإسرائيلي في حرب تموز من العام 2006 نفسه التي دامت خمسة أسابيع تقريباً وانتصرت فيها المقاومة اللبنانية على الجيش الإسرائيلي، ويبدو من الواضح أنه سمح لنفسه بإطلاق هذا الاعتراف لكي يلوح بقدرة ردع نووي يعوض فيه ضعف الردع بالأسلحة التقليدية.
ويكشف بوتون أن وسائل الإعلام الأميركية تعد من أكثر وسائل الإعلام التي تحقق أرباحاً كبيرة برغم نفقاتها الكبيرة وذلك لأن واشنطن تطلب من دول النفط العربية المتحالفة معها تقديم كل أشكال الدعم المالي لها بطرق مباشرة وأخرى عن طريق أموال الإعلانات التي تعرضها لها وهذه الأموال تشارك ببرامج غسل دماغ الأميركيين والعرب معاً وأيضاً عبر القنوات الفضائية التي تؤسسها السلطات الأميركية باللغة العربية مثل «الحرة» «العربية» وغيرهما من قنوات تبث من لندن وتشرف على سياستها الولايات المتحدة.
إضافة إلى ذلك يكشف بوتون أن الشركات الكبرى الأميركية لصناعة الأسلحة تخصص نسبة من أموالها لتشجيع وسائل الإعلام الأميركية بشكل خاص والعربية بشكل عام، على تبرير الحروب الأميركية وخلق المزيد من الصراعات المسلحة لزيادة أرباحها من مبيعات الأسلحة والذخائر وخاصة لدول النفط العربية التي تشتري السلاح لجيوشها مثلما يجري في الحرب السعودية على اليمن، وشراء الأسلحة لمئات الآلاف من المسلحين الذين استهدفوا سورية والعراق ولبنان في السنوات العشر الماضية، ولو توقفت هذه الحروب والصراعات لتم إغلاق عدد من مصانع السلاح الأميركية وأصبح عشرات الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف من العاملين في صناعة الأسلحة الأميركية بلا عمل، فغسيل الدماغ الذي تتبعه الإدارة الأميركية يعد إحدى قواعد العمل الرئيسة لزيادة أرباح الصناعات العسكرية الأميركية التي قتلت، بموجب ما يذكره بوتون في تحليله، ما بين مليون ومليونين ونصف المليون من البشر منذ عام 2001 بحجة مقتل ثلاثة آلاف في تفجيرات الحادي عشر من أيلول في نيويورك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن