ثقافة وفن

«إبراهيم وصفيّة» عرض من السهل الممتنع … زيناتي قدسية لـ«الوطن»: نلتقط الأفكار البسيطة عن الأرصفة ونقوم بمعالجتها

| سوسن صيداوي- ت: مصطفى سالم

عن سموّ الحب وفضيلته وصراعه أمام الخبث والشر، يقدّم لنا المخرج زيناتي قدسية مسرحية «إبراهيم وصفية» على خشبة مسرح الحمراء بدمشق في تمام الساعة السادسة مساء.

النص من تأليف وليد إخلاصي وكان قُدِّم لأكثر من مرة داخل وخارج سورية، لكنه يُعاد برؤية جديدة، وهو من بطولة: يوسف المقبل، قصي قدسية، صفاء رقماني، محمود خليلي، سامر الجندي، زيناتي قدسية، جمال نصار، علاء الشيخ، يوشع محمود.

كلمة المخرج

بداية قام المخرج والممثل زيناتي قدسية بإعداد النص المسرحي (إبراهيم وصفيّة) وبتأدية شخصية (مرزوق) الشخص البسيط والمرح، والذي يكون سببا أساسياً في تغيير مجرى القصة. وعن أسباب اختيار الممثل والمخرج زيناتي قدسية للنص المسرحي (مقام إبراهيم وصفيّة) رغم أنه قديم وعُرض على خشبات المسرح لعدة مرات، يقول في تصريح خاص بـ«الوطـن» من المفروض بأن يكون مسرحنا بسيطاً، ومبتعداً دائماً عن التعقيد الذي فيه طرح يتطلب من المُشاهد التفكير بالمقصود، ففي الحالة الأخيرة يكون المسرح قد حكم على نفسه بالموت. في حين نحن ومن خلال الأفكار البسيطة التي نلتقطها أحياناً عن أرصفة الطرقات، نقف ونتريث كثيراً بطريقة معالجتها كي تبدو جماليا وفنيا غير مألوفة. بمعنى أدق(إبراهيم وصفيّة) هي من ثنائيات العشاق: كحسن ونعيمة، ياسين وبهية، روميو وجولييت.. إلخ. لكن إبراهيم وصفيّة معروفة لدينا في سورية على الأقل، رغم أن الكثير من الفرق العربية أحبت هذه المادة التي كتبها الأستاذ وليد إخلاصي، وكانت عُرضت على خشبات المسارح، وأنا جاء دوري كي أشتبك مع هذه المادة، فحاولت أن أعمل انزياحاً لها كي نؤكد بأنها قابلة للحياة، وهي مطواعة بالمعالجة لتقدّم بأكثر من رؤية.

هذا من جهة ومن جهة أخرى نحن نعيش بمجتمع نعلم جيداً كيف تُعامل هذه العاطفة-عاطفة الحب- المرتبطة بالله سبحانه وتعالى، ومن هنا يأتي السؤال: كيف لهذا الحب أن يعيش في ظل مجتمعات منغلقة على نفسها، وكيف يتحول إلى نزعات تذهب نحو الإجرام؟. هذه الأسئلة دفعتني لمعالجتها بالطريقة الفنية التي يتم بها العرض، في ظل الممنوح لنا من تقنيات يقدمها المسرح.

خادم كلمة الله

الفنان محمود خليلي يلاقي جمهوره في العرض بشخصية (الشيخ صالح) الرجل التقيّ والذي يحب اللـه ويعيش تعاليمه، وحول العرض وتعلق الفنان بالمسرح يقول: المسرح حالة خاصة واستثنائية، لكونه مباشراً مع الجمهور، وفيه من الطزاجة لأنه حقيقي أيضاً للممثل، بحيث نلتقط النتائح من عيون المشاهدين. ونحن نعمل في ظروف صعبة جداً ولكن صمودنا على خشبة المسرح بما يقدمه لنا الأخير من جرعة فيها من الغبطة والنشوة لا يمكن الحصول عليها في أي فن آخر.

أما بالنسبة لشراكته مع المخرج قدسية عقب قائلاً: «شراكتنا الفنية تمتد لعشرات السنين وتربطنا علاقات شخصية، وبالتالي كل واحد منا يفهم على الآخر ويعرف مزاجيته جيداً، فبعد مرور أربعين سنة معاً وبمرور عرض مسرحي كل عام.

تمثيل الإنسانية وادعاؤها

من جانبه يقوم الممثل يوسف مقبل بدور (أبو الروس) وهو من قياديّ الحي، إذ يهتم بشؤون الجميع ويحن عليهم بالظاهر، ولكنه بالمستتر رجل شرير ويهمّه نفسه بالدرجة الأولى ولا يردّه أمر بالحصول على مبتغاه. وعن دوره قال: «على الممثل الحقيقي أن يتبنى الشخصية ويقتنع بها بداية كي يستطيع إقناع الجمهور، وبالنسبة لعرضنا الحالي فنصه من النوع البسيط، ليس فيه شخصيات مركبة، بل الشخصيات واضحة، بمعنى (أبو الروس) شخص يمثّل الإنسانية كي يصل إلى ما يريد، وهنا أحب أن أشدد على نقطة مهمة جدا، عندما يقوم الفريق بالعمل جيداً، هنا الجميع يحمل النص ويرفعه، وخصوصاً نحن في عرضنا لدينا حدوتة وليس نصاً قوياً، فالحكاية بسيطة جداً، ولكن الإعداد الذي أضافه زيناتي قدسية على النص، لغى الكثير من الحيثيات ببدايات النص التي تكشف القصة، بل جعل من العرض يتسلل للمُشاهد ويصل إلى مرحلة بتحريض والد الفتاة بقتلها وهذا ما فاجأ الجمهور. وأضيف بأن المشهد الذي قرر به الشيخ صالح ذبح ابنته، هذا المشهد ينتمي إلى مسرح آخر، إلى مسرح شكسبير لأن فيه حالة تراجيدية عالية. وأخيراً وصل المخرج مع الممثلين إلى ذروة حققت الدهشة عند الجمهور، فهذا العرض من اللحظة الأولى ملتهب».

داعم الشر

من جانبه يقدم الممثل قصي قدسية شخصية (أبو الكيف) وهو صديق قريب لـ(أبو الروس) وداعم له في مشاريعه، ولكن الصداقة تحطّمها امرأة تنازع عليها الاثنان، وعن شغف قدسية الابن بالمسرح يقول: «المسرح بالنسبة لي شغف وهدف وقرار، وهو المكان الوحيد المرتبط مباشرة بالجمهور، والقادر على تجديد أدوات الممثل، ما يدفعنا نحو البحث من أجل التطوير. ومن جهة أخرى على الأكيد والدي الفنان زيناتي قدسي أثر بي وجعلني أحب الخشبة أيضا، وشراكتي معه شبه دائمة، إن لم أكن معه ممثلاً فأنا معه بالتعاون الفني وبالإخراج».

الحب من الله

قامت الممثلة صفاء رقماني بدور (صفيّة) الفتاة الجميلة التي تحب الشاب اليتيم (إبراهيم)، وترى أن حبهما صادق نظيف لأن مشاعرهما تأتي من محبة اللـه وعبادته، ولكنها مع حبّها وقعت ضحية الخبث والشرور. وعن مشاركة رقماني تقول: «هناك قاعدة أنا أتّبعها في حياتي والتي تقول: إن أردت أن تعلم إن كان الفنان متجدداً، شاهده على خشبة المسرح. كون الأخير صادقاً جداً وحقيقيّاً، فهو أولى محطاتي في مشوار الفن، حتى قبلها كنت أهرب من المدرسة كي أحضر العروض المسرحية. هذه هي التجربة الثالثة مع الأستاذ زيناتي، فنحن عائلة في شراكتنا، وحتى أننا نقضي أيام ممتعة أثناء البروفات والعروض، الأخيرة التي سأجد لها وقتا وبشكل دائم مهما حاولت الدراما أخذي بصفها».

شريك الحب

يوشع محمود خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، شارك في العرض بشخصية (إبراهيم) العاشق لابنة الشيخ، وعنها حدثنا: «لي الشرف الكبير بأن يكون لقائي الاحترافي الأول مع الجمهور تحت مظلة المخرج زيناتي قدسية الذي منحني هذه الفرصة. هذا والأمر محفّز جداً كون مسرح الحمراء بدمشق يستقطب شرائح متنوعة من الجمهور، والتجربة بالصعود على الخشبة مختلفة تماما عن العروض التي قدمناها في المعهد. وبالنسبة للنص فهو يحمل قصة كل العشاق الذين واجهوا المجتمع، والأخير أعلن قصاصه غير العادل بحقهم ليواجهوا الموت، وهذه الحالة ما زالت مستمرة رغم أن النص المسرحي قديم».

يد الشر

أخيراً حدثنا علاء الشيخ والذي جاء بالعرض بشخصية (درباس) وهو القادر على إجراء القصاص الذي يؤمر به والقتل بروح باردة، وهذه ليست تجربته الأولى مع المخرج قدسية، وعن مشاركاته يقول: «أنا محظوظ لأنني انضممت إلى فرقة الأستاذ قدسية، فنحن شركاء دائماً في العروض، وتجمعنا المحبة والصداقة، إضافة إلى تعاوننا مع بعضنا، وهذه تجربتي الثانية وأنا سعيد جداً بهذا لأنني تربيت بالمسرح الذي أتعلق به بشدة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن