بين غموض حرب الناقلات والعودة للمفاوضات.. هل اتكأت دمشق على سور الصين العظيم؟!
| فراس عزيز ديب
فجأة ودون سابقِ إنذار ارتفعت سخونة المواجهات الافتراضية في الخليج العربي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، رواية ورواية مضادة، خطفٌ هنا وسرقة هناك، تصديقٌ هنا وتكذيبٌ هناك والضحية الأبرز هو الجواب على سؤالٍ بسيط: ما الذي جرى؟
يرى البعض أن ما جرى هو أمرٌ عادي في ظل الحرب الباردة المستعرة بين الطرفين من مبدأ أن لكل فعل رد فعل يجب أن يوازيه بالقوة ويعاكسه في الاتجاه. هذا الكلام منطقي لكن السياق العام للحدث وتوقيته يحتِّم علينا عدمَ التسليم باتجاهٍ واحد في التحليل لكي لا نتجاهل تبعات هكذا أحداث، تحديداً أن رواية كل طرفٍ افتقدت لشيءٍ ما أضعفَ سياقها العام، ولا ندري هنا هل السبب هو الإعلام المحسوب على كل طرف والذي بالغَ ربما في رسم أضلاع الحدث ما أدى لبعض التناقضات فخرج مترهلاً رغمَ أهميته، أم أن «الضرورات الأمنية» فرضت تعتيماً ما؟ هذا الغموض يمكن لهُ أن ينكشف من خلالِ ثلاثة تساؤلاتٍ أساسية:
أولاً: ما مصلحة إيران منَ الترويج لهكذا حدث لو لم يكن فعلياً قد تم؟ بواقعيةٍ تامة لا تبدو إيران بحاجة إلى استعراضٍ ما لكي تثبت نفسها كقوة إقليمية، وهي الدولة التي تسير بخطا ثابتة نحو تكريس نفسها كقوة نووية وباعتراف غربي في الاتفاق النووي للعام 2015 والذي تم تعليق العمل به، أو من خلال المفاوضات القادمة التي ستبدأ نهاية الشهر الحالي، لكن الغموض بدا بآلية إظهاره للإعلام وتوقيته لا أكثر.
ثانياً: ما مصلحة الولايات المتحدة من تفجير المنطقة لسرقةِ ناقلة نفط؟ في حساب الربح والخسارة تبدو القصة فيها الكثير من السذاجة تحديداً أن الولايات المتحدة قدمت إثباتات عن علمها بقيام إيران بمصادرة ناقلة نفط فيتنامية قبل أسبوع فلماذا أخفت القصة وهي التي لا تترك شاردة أو واردة سلبية عن إيران إلا واستغلتها فما بالك بحدث من قبيل ما سمته «سرقة إيران لناقلة نفط»؟! ألهذه الدرجة كانت الولايات المتحدة حريصة على عدم استفزاز إيران؟
ثالثاً: كيف تحوَّل هذا الصِّدام المفترض خلال ساعاتٍ إلى إعلان إيران والدول الكبرى عن العودة إلى المفاوضات نهايةَ الشهر الجاري؟ ربما أن هذا الإعلان جاءَ ليشطب خطورة الحدث الذي قبله ويضعهُ في المكان الصحيح وبمعنى آخر: لو تأخرَ هذا الإعلان لسال مداد الكتاب والمحللين المحسوبين على كلِّ طرفٍ في الحديث عن سيناريوهات الحرب القادمة، الطرف الأول ينتظرها ليقتلع «الشيطان الأكبر»، والطرف الثاني ينتظرها ليقتلع «أصل الشر»، لكن قرار العودة إلى المفاوضات النووية لم يساهم في جعل كلا الطرفين يعود ليضع قدميه على الأرض فحسب، بل ورسخت ما نكرره دائماً: لا أحد منهما يريد الحرب، ومن ينتظر حرباً بين إيران والولايات المتحدة الأميركية كمن ينتظر أن تأتيه الديمقراطية على دبابة أميركية أو من بين اللحى العفنة لإرهابيي الإسلام السياسي.
واقع الأمر أن الطرفين استخدما «حادث الناقلات» كقنبلة دخانية قبيل الإعلان عن العودة إلى المفاوضات لا أكثر، تحديداً أن العودة جاءت من دونَ أن يقدّم أي طرف تنازلاً للآخر، فاستعاضا عن مانشيت «إجبار الطرف الآخر على العودة إلى المفاوضات» بمانشيت استعراض القوة بأحداث مضى عليها أيام، لكن هل ستنعكس هذه العودة على التهدئة في ملفات المنطقة؟
تبدو العودة هذه المرة مرتبطة بمتغيرات أساسية أهمها:
المتغير الأول وهو وصول نسبة تخصيب اليورانيوم في البرنامج النووي الإيراني إلى درجات غير مسبوقة، ففي نيسان الماضي مثلاً أعلنت إيران عن وصولِ نسبة التخصيب إلى ستين بالمئة كردٍّ على الإرهاب النووي الذي تعرضت له بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، يومها جنَّ جنون الدول الكبرى واعتبروا هذا الأمر من المحظورات. اليوم لا أرقام دقيقة لهذه النسب، هل اقتربت إيران عملياًمن القنبلة النووية لتكون هذه النسب نقطة قوة قادمة على طاولة المفاوضات تُجبر الغرب على الإسراع بلجمه عبر اتفاقٍ جديد؟!
المتغير الثاني وهو الوضع الإقليمي، ففي الوقت الذي رفضت فيه المملكة العربية السعودية الاتفاق القديم حيث كانت العلاقة يومها مع إيران شبه منقطعة، يبدو التواصل الإيراني السعودي اليوم بأعلى درجاته ما قد يسهِّل عملياً مهمة الدول الكبرى بعدما ضمنت الولايات المتحدة تقريباً الضوء الأخضر الإسرائيلي، حتى أن ما يجري بين دول الخليج ولبنان على خلفية الامتعاض الخليجي من تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي عن «عبثية الحرب في اليمن»، بدا وكأن إيران اتخذت الوضعية الصامتة بهذا الاتجاه وإن كان رأيها في الحرب على اليمن واضحاً. لكن في المقابل تبدو إيران اليوم وقد خسرت ورقة العراق، فالبلد الذي مزقه «صراع المرجعيات»، بدا وكأنه يسير في الجانب الرسمي بعيداً عن النفوذ الإيراني، بمعزل عن إن كانت الانتخابات شابها تزوير أم لا هذا شأن سيادي عراقي للشعب هناك وحده أن يقرر، هنا يصبح السؤال المنطقي: هل من متغيرٍ في الملف السوري؟
بالتأكيد لو قارنا الوضع في سورية من الناحية العسكرية والأمنية لا الاقتصادية، أو لجهة بدء موسم الحج إلى دمشق وكسر عزلتها بفضل صمودها شعباً وجيشاً، فإن الوضع يحمل الكثير من المتغيّرات، لكن بعيداً عن المجاملات وتحديداً لمن يكتب ويطرح أفكاراً من قبيل ربط الحرب على سورية بالمفاوضات بين إيران والدول الكبرى فإنه يمكننا القول باختصار: من السذاجةِ الاعتقاد بوجودِ ربطٍ بين الملفين، بل ومن البدهي القول إن إيران لا تمتلك في الملف السوري أي ورقة تفاوض لأن سورية بالنهاية ليست حركة سياسية أو عسكرية أو مقاومة، هي «جوهر» المقاومة، وليست دولة فاشلة، هي لا تزال دولة قائمة بكافة أركانها، ولا يمكن لأحد ادعاء «الموانة» بأي ملف.
في الإطار العام فإن نجاح هذا الاتفاق بالوصول إلى النهاية السعيدة سينعكس حكماً على المنطقة والعالم، لكن لا يبدو بأن السوريين ينظرون إلى مستقبلهم من خلالِ نجاح هذه المفاوضات أو غيرها، فالدولة السورية أكثر حنكة وخبرة من هكذا تفاصيل.
ولكي تتضح الصورة أكثر: لا داعي لأن تنتظروا ماذا سيجري هنا أو هناك، فقط دققوا بالكلمات المنتقاة بعناية الجراح والموزونة بميزان الذهب لتوصيف الاتصال الهاتفي الذي تم بين الرئيس بشار الأسد والرئيس الصيني شي جين بينغ، هنا فعلياً تكمن فكرة «الصبر الإستراتيجي».