ثقافة وفن

ما نقدمه نحن هو نوع من التحليل النفسي الذاتي … د. نصوح زغلولة لـ«الوطن»: العنف الذي عشناه يجب أن يخرج من العمق… وأنا عبّرت عما في داخلي

| سوسن صيداوي - ت: طارق السعدوني

بين السماء والأرض عصفور يحلق نحو البعيد، بين الطفولة ولهوها تجد الأحذية المهترئة على الجنبات، بين الإدمان والإقلاع تأتي الإرادة قوية، بين الحرب ومآسيها تأتي طلقات الرصاص المنثورة على الطرقات. هذا وأكثر بكثير من الصور التي جسّدها الفنان والمصور الضوئي د. نصوح زغلولة في لوحاته التي بلغت ثماني عشرة لوحة، وكل واحدة منها على شكل رقعة الشطرنج وتحتضن رموزا هي: العصفور، أحذية الأطفال، علب السجائر، طلقات الرصاص. في أسلوب يوضح مدى المعاناة التي مرّت على فناننا وعلى السوريين ككل خلال السنوات العشر الماضية. اللوحات قدمها د. زغلولة للجمهور في معرضه الذي افتتحه في صالة جورج كامل في دمشق.

من رقعة الشطرنج

عدد اللوحات ثماني عشرة لوحة، كلّها جاءت على شكل رقعة شطرنج، وقد أخذت من فناننا وقتاً استمر لثلاث سنوات، وعن التخطيط لهذا المشروع الفني، تحدث الفنان والمصور الضوئي د. نصوح زغلولة لـ«الوطـن»: «رقعة الشطرنج هي الأساس وهي لعبة ترمز إلى القتال أو التعارك، والبيادق تمثلنا، لهذا اخترتها لتكون الإطار الذي يحوي صور العناصر التي اعتمدتها والتي هي: العصفور، أحذية الأطفال، علب السجائر، طلقات رصاص الدوشكا. في مشاريعي السابقة كنت أعتمد على العصفور، ولكن بعدها أخذت بالبحث عن عناصر أخرى تدعم مشروعي وبالمصادفة التفتّ إلى العناصر التي ذكرتها».

مُربي عصافير

من هوايات فناننا أنه يهتم بالعصافير وكان يربيها ويطيّرها في السماء بعد أن تكبر، ولكن قصتها حزينة كما هي صورها، إذ في سني الحرب كانت تطير وتعلّي في السماء لكنها كانت تسقط ميتة من طلقات الرصاص، وحول علاقته بهذا الرمز، أضاف: «أنا بشكل عام أحب الحيوانات، والعصفور بالنسبة لي هو رمز الحياة بفرحها، كما أن علاقتي به تعود إلى طفولتي وارتباطي القوي بوالدي، فأنا كنت مربي عصافير، والعصافير المصوّرة كلّها كانت لي، وأنا اهتممت بها وربيتها بأنواعها المختلفة، وعندما جاءها الموت صوّرت مراحل تفسّخها وتلاشيها، وشعرت وقتها بحزن عميق، وبالصورة كنت أسجل هذه اللحظة من التلاشي في حياتنا وفناء الجسد على مراحل. أما بالنسبة للرمل فقد وجدت فيه الخلفية المناسبة بعدما كنت أصوّر العصافير على خلفية خشب أو خلفية سوداء، وللأمانة الخلفيتان لم تعطني المعنى العميق المطلوب، لذا جاء عنصر الرمل مناسبا للحالة، وخصوصاً أنه رمل بحريّ، وهنا أختم بنقطة بأن رمل البحر هو الحد الفاصل لنا بالوقوف على اليابسة في مداها، وبعدها بخطوة نلتقي البحر الذي يأتي من خلاله المجهول، والذي في النهاية كان قد ابتلع آلاف السوريين».

الرموز الأخرى

كما أشرنا أعلاه، اعتمد الفنان على عناصر أخرى كانت موضوعاً لصوره وهي: أحذية الأطفال، علب السجائر وطلقات الرصاص، وحولها أضاف «بالنسبة لأحذية الأطفال كنت شاهدتها في السوق الذي نطلق عليه سوق الحرامية والواقع في دمشق. لا أدري ما جذبني، ولكنني بقيت عاماً كاملاً أذهب إلى السوق وأشتري منها ما يثير فضولي، فقمت بجمعها، وكإضافة إليها أخذت أحذية أولاد أصدقائي. وعن سبب اختياري لهذا العنصر، ربما لأنني كنت أبحث عن عناصر جديدة مختلفة عن العصفور، وفيها أيضاً ما يُبدي الفرح والأمل رغم الألم الذي حلّ بنا. هذا وبالنسبة لعلب السجائر، هي علبة سجائر الحمراء الطويلة التي هي رمز وطني بالنسبة لنا نحن السوريين، فكان دخان الطبقة الكادحة، وبالنسبة لي أنا كنت أجمع هذه العلب التي أنتهي منها في درج، وفجأة وجدت أن الدرج أصبح ممتلئاً، وفي هذه اللحظة قررت أن أقلع عن التدخين، وفي الوقت نفسه أخذت بتصويرها، ولاقيت بها حسّاً غرافيكياً ممتعاً، وأحببت أن أضمها إلى المجموعة. وأخيراً وبالنسبة لطلقات الدوشكا، كنت أجمعها من على الطريق خلال عشر السنوات الماضية، إذ أصبحت الطلقة في تلك الفترة جزءا من حياتنا ويومياتنا، برعبها وخوفها وقلقها الدائم».

الأزمات الخّلاقة

صحيح أن رائحة الدم وتفسخ العصافير النافقة منتشرة بين الأعمال، فهذا برأي الفنان والمصور الضوئي د. نصوح زغلولة، هو نتيجة طبيعية لما مررنا به في سني الأزمة، وحول مشاعره قال: «كلنا تأثرنا بالحرب على سورية وطننا، عشر سنوات لا يمكن أن تمر هكذا وفيها تراكمات تجلس في دواخلنا، وما نقدمه نحن هو نوع من التحليل النفسي الذاتي، فكل العنف الذي عشناه يجب أن يخرج من العمق، ويجب أن يخرج بطرق مختلفة، وأنا عبّرت عما في داخلي بهذه اللوحات».

وأخيراً وجّه د. زغلولة كلمة لطلابه الذين جاؤوا للافتتاح: «أقول للطلاب، علينا دائماً أن نقدم أعمالاً فيها من الجرأة والغرابة والاختلاف والتجدّد، حتى لو لم تعجب الآخرين، فالفن ليس له حدود وكل منا هو خلّاق بطريقته الخاصة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن