قضايا وآراء

الفتنة الإلكترونية والدفع باتجاه الفوضى

| أحمد ضيف الله

الإرباكات التي رافقت إعلان النتائج شبه النهائية للانتخابات النيابية العراقية المبكرة التي جرت في الـ10 من تشرين الأول 2021، وعدم تطابق النتائج مع ما لدى المرشحين من أشرطة ورقية رسمية، أدت إلى التشكيك بالعملية الانتخابية برمتها، خاصة أن ذلك ترافق مع مخاوف سبقت الانتخابات، حذرت من إمكانية اختراق المخدم (السيرفر) الموجود في دولة الإمارات لتغيير البيانات والتلاعب بالنتائج. وقد أشرت في مقالة لي في صحيفة «الوطن» في الـ28 من تشرين الأول الماضي، إلى أن الفتنة الإلكترونية هذه ستدفع بالاعتراضات والتصريحات إلى تحريك الشارع، والتهديد بالعصيان والتمرد، معرضة السلم الأهلي العراقي للخطر، وهكذا صار. فبعد أن شهدت عدة محافظات عراقية ومنها بغداد في الـ17 من تشرين الأول الماضي تظاهرات واحتجاجات عدة ضدّ مفوضية الانتخابات والنتائج المعلنة، أقيم في الـ19 من الشهر ذاته اعتصام مفتوح عند أحد مداخل المنطقة الخضراء ببغداد، إلى حين إعلان مفوضية الانتخابات إعادة العد والفرز يدوياً لكل الصناديق.

في الـ5 من تشرين الثاني الجاري، خرجت تظاهرات كبرى في بغداد و8 محافظات عراقية، تحت شعار «جمعة الفرصة الأخيرة» للتأكيد على مطلب المتظاهرين الأساس في إعادة العد والفرز لكل صناديق المراكز الانتخابية، حيث اعتبر المعتصمون في بيان لهم، أن «ما حصل من تزوير في نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة بإشراف (رئيس الوزراء العراقي مصطفى) الكاظمي وبتنفيذ المفوضية والإمارات (…) قد لاقى رفضاً شعبياً بمختلف الفعاليات من اعتصامات وتظاهرات سلمية ومنها تظاهرات اليوم».
ووفقاً لمصدر أمني «المتظاهرون حاولوا اقتحام المنطقة الخضراء من جهة قريبة من وزارة الدفاع، وقاموا برمي الحجارة، لكن تم ردعهم من قوة مكافحة الشغب»، ليتبين لاحقاً أن الصدام تسبب في مقتل متظاهرين اثنين وجرح آخرين، إضافة إلى حرق العديد من خيم المعتصمين. ومن هنا كانت بداية تفعيل الفتنة الإلكترونية التي تسبب بها المخدم الرئيس (السيرفر) الموجود في دولة الإمارات.
تداعيات «جمعة الفرصة الأخيرة»، زادت من تعقيد المشهد السياسي، حيث طالبت القوى السياسية، السلطات القضائية بـ«محاسبة المسؤولين ممن أمر ونفذ أمر إطلاق النار على المحتجين السلميين».
الخطوة التالية من تفعيل الفتنة الإلكترونية، بدأت فجر الـ7 من تشرين الثاني الجاري، حين تعرض منزل رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي لهجوم إرهابي، قيل إنه تم بـ3 طائرات مسيّرة، أسقطت اثنتان منها بالأسلحة العراقية البسيطة، إلا أن اللواء سعد معن المتحدث الرسمي باسم خلية الإعلام الأمني في قيادة العمليات المشتركة، أوضح لاحقاً أن العملية نفذت بطائرتين مسيرتين، أسقطت إحداهما.
ووفقاً لفضائية «العراقية» شبه الرسمية، أعلن المتحدث باسم العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي في الـ7 من تشرين الجاري، أن «هناك تحقيقاً يجري الآن مع الجانب الأميركي والسفارة الأميركية لمعرفة أسباب عدم عمل منظومة الـC-RAM خلال استهداف منزل الكاظمي داخل المنطقة الخضراء».
ومما يثير الاستغراب أن منظومة الـC-RAM كانت قد أطلقت صافرات إنذارها قبل يوم من محاولة اغتيال الكاظمي، وعاودت إطلاق صافراتها بعد ساعات من محاولة الاغتيال، حيث أعلنت السفارة الأميركية أن «إطلاق صافرات الإنذار جاء لأغراض تجريبية»!
محاولة اغتيال الكاظمي الإرهابية، لاقت رفضاً وإدانة من جميع الدول والمنظمات العربية والأجنبية، ومن كل القوى والشخصيات السياسية العراقية من دون استثناء. وكان لافتاً بيان تنسيقية فصائل المقاومة العراقية، التي أدانت العملية، معتبرة أن «من قامَ بهذا العملِ يحاولُ خلطَ الأوراقِ ولاسيما ونحن نطالبُ وبقوة بإجراء تحقيق عادل يكشف لنا قتلة شهدائنا الذين تظاهروا سلمياً يومَ الجمعة، وأن صناعة حادثة كهذه لن تمنعَنا من إصرارنا على معاقبة الجناة وخاصة المتورطين الكبار في إراقة دماء الأبرياء من المتظاهرين السلميين».
بالمقابل، قال المتحدث باسم كتائب حزب الله العراق أبو علي العسكري: إنه «لا أحد في العراق لديه حتى الرغبة بخسارة طائرة مسيّرة على منزل رئيس وزراء سابق».
وضمن هذه الأجواء المتوترة أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في الـ8 من تشرين الثاني الجاري، الانتهاء من «إجراءات النظر في الطعون»، وأن «نسبة تطابق نتائج العد والفرز اليدوي مع الإلكتروني عالية جداً»!
إعلان قائد القيادة العسكرية المركزية الأميركية كينيث ماكينزي، أن «مجموعات مرتبطة بإيران ترى أنها لا تستطيع التمسك بالسلطة قانونياً، والآن تلجأ للعنف لتحقيق أهدافها»، سينشط الفتنة الإلكترونية التي كان وراءها المخدم الرئيس (السيرفر) الموجود في دولة الإمارات، وستعمل الأيادي الخبيثة والأطراف المشبوهة على خلط الأوراق لإشعال نار الفتنة، والدفع بالعراق باتجاه الفوضى، فالاعتداء على المعتصمين، ومهاجمة منزل الكاظمي، والإعلان عن تطابق نتائج العد والفرز اليدوي مع الإلكتروني، توقيتات متتالية أقل ما يقال عنها إنها مريبة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن