لو بحثنا عن السرِّ الموجود في التكامل بين الزراعةِ والصناعة لكانت «بذرة القطن» هي كلمة الجواب.
بعدَ خروجِ البذرة من المحالج شبهَ عاريةٍ من قطنها وما تدره من أرباح للمزارع والشركة العامة المسوِّقة تبدأ رحلة إنتاج جديدة قد يجهلها كثر، تنتهي باستخلاصِ الزيت النباتي، لكن الوصول إلى هذهِ المرحلة تبدو فيه فكرة إنتاج الزيت آخر الاهتمام.
هذهِ البذرة المباركة تدخل قسم الحلاَّقات لاستخلاصِ ما تبقى منها من قطن ناعم يسمى اللنت، كان في سورية يتم إنتاجه بثلاث مواصفات (حلاقة أولى وثانية ومندوف)، تُصدَّر بأغلبيتها عبرَ بالاتٍ إلى دول الاتحاد الأوروبي. بعد ذلك يجري قَشرَ الحبة لاستخراج اللب، هذا القشر كانت تشتريه المؤسسة العامة للأعلاف ويباع كعلف للمواشي، بعد الطحن والعصر تنتج لدينا مادة الكسبة وهي بالوقت نفسه علف معروف في سورية يستخدمه مربو المواشي بل كان الحصول عليه يحتاج إلى طابورٍ من العلاقات الرسمية وغير الرسمية!
بعدَ العصر يدخل الزيت مرحلة التكرير عبرَ القوة النابذة، فالسائل الثقيل يُباع كمادة أولية لصناعةِ الصابون، أما الزيت الناتج عن التكرير فكانَ لديهِ احتمالان إما بيعه قبل تقطيره وهنا كان للجانب التركي حصة الأسد زمن «العلاقات الأخوية»، أو بيعه بعد التقطير بعبوات، لكن ما الفائدة من كل هذه المعلومات؟
هذا الزيت ما زالَ عالقاً في أذهانِ السوريين باسم «الزيت الأحمر»، قيلَ عنه الكثير من الروايات والأكاذيب من درجة اللون وصولاً إلى حكايات وجود بقايا قوارض وغيرها وهي بجميعها معلومات نقلاً عن ناقل منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولو كانت مواصفاته كما يدَّعي البعض هل كان يجذب أنظار الجانب التركي يومها المعروف بإمكاناته في صناعة الزيوت النباتية ومنتجاته تغطي كل الأسواق الأوروبية؟
من المسؤول اليوم عن إعادة تعويم أكاذيب كهذه عبرَ مواقع التواصل الاجتماعي لضربِ المنتج الوطني والإساءة إليه؟ لماذا لا تتولى الوزارة المعنية بالإنتاج الدفاع عن المنتج أم إن الوزارة الثانية المسؤولة عن التسويق في صالاتها لديها رأي آخر بدعم المنتجات المستوردة؟!
امتلكت سورية عبرَ القطاع العام قبل الحرب أربعة معامل ثلاثة منها في حلب والأخير في حماة، ولعلَّ السرد الوارد أعلاه كان كافياً لجعلِ هذه المعامل تحمل لقبَ «الدجاجة التي تبيض ذهباً»، وفي حلب كانت هناك مقولة أكثر عمقاً: حتى قمامة هذه المعامل قابلة للبيع! فهل نعلم أن الاستمرار في الإساءة للمنتج الوطني والتفاخر بكسرِ أسعار المنتج الأجنبي سيدعم أحلام البعض بخصخصةِ هذه المعامل؟ هل يعلم من يشنون حملة على ما يسمونه «الزيت الأحمر» أن المنتج الوطني للقطاع الخاص كان من الزيت نفسه لكنه كان يُباع قبل التكرير؟!
نعلم أن إنتاج محالج القطن اليوم لا يكفي لتشغيل المعامل، لكن هذا الأمر آني وإن كان هناك اتفاق على تصفية القطاع العام الخاسر فكيف لنا أن نحاول شعبياً إعدام قطاع عام ليس رابحاً فحسب، لكنه بالوقت ذاته يشكل دورة اقتصادية وتكاملاً بين الزراعة والصناعة!
هل عرفنا اليوم لماذا يسمونه الذهب الأبيض والدجاجة التي تبيض ذهباً؟ لا أبداً لا علاقة للأمر بدعم الاقتصاد الوطني، بل هي نظرة «حيتان المال» لموارد الدولة لا أكثر!