لاشك في أن كلا الحزبين يخدمان مصالح الولايات المتحدة في توسيع مساحة الهيمنة على العالم وتعميق مضامينها، لكن هناك فروقاً مهمة بين إستراتيجية الجمهوريين والديمقراطيين، خاصة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي حيث كانت الإيديولوجيا تسيطر على العلاقات الدولية.
الفرق الأساسي الذي تستند إليه الفوارق الأخرى هو أن الجمهوريين «مونرويون» أي يميلون لنظرية الرئيس الأميركي الأسبق جيمس مونرو (1817-1825) بعنوان الانعزالية، والديمقراطيين بالمقابل، يميلون إلى النظرية «التدخلية المباشرة» في شؤون العالم.
لكن الجمهوريين بعد الحرب العالمية الثانية وانهيار الاستعمار التقليدي بنوا مايسمى بـ«الانعزالية الجديدة» التي تؤكد ضرورة التدخل في شؤون العالم والهيمنة عليه، هكذا التقوا مع الديمقراطيين في مبدأ التدخلية، أما مضمون هذه التدخلية فيختلف عند الجمهوريين عما هو عليه عند الديمقراطيين.
النظرية التدخلية، أو «الانعزالية الجديدة» للجمهوريين تتضمن ثلاثة توجهات، أحدها جيوسياسي والآخر اقتصادي والثالث مضاد للإيديولوجيا. ويعطي الجمهوريون للمحيط الهادي وللهيمنة على جنوب شرق آسيا والتنافس مع الصين الأولوية، في حين ينظرون إلى أوروبا والشرق الأوسط والناتو كموضوع أقل أهمية من المحيط الهادي، ويرون أن الحرب مع «العدو» ينبغي أن تكون اقتصادية مع إضعاف أهمية التدخل العسكري والحروب التقليدية، كما أنهم لا يهتمون بالبعد الإيديولوجي للسياسة الدولية، فلا تهمهم شعارات مثل حقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها.
الديمقراطيون، بالمقابل، يعطون الأولوية للناتو وأوروبا، أي إنهم أطلسيون، كما يؤكدون أن الطريق للسيطرة هو في إشعال الحروب المحلية والإقليمية وإرسال الجنود الأميركيين إلى الخارج، وهم يهتمون بالإيديولوجيا مثل حقوق الإنسان والديمقراطية.
إن قراءة سريعة لتطور العلاقات الدولية أثناء النظام ثنائي القطب تؤكد هذه التوجهات، فالحرب الكورية أشعلها الديمقراطي هاري ترومان وكذلك قنبلتا هيروشيما وناغازاكي النوويتان، في حين قام دوايت أيزينهاور الجمهوري بإطفاء نار الحرب الكورية، أما الحرب الفييتنامية وحرب 1967 فأشعلهما الديمقراطي ليندون جونسون، والجمهوري ريتشارد نيكسون أنهى حرب فيتنام وفي عهده حصلت حرب 1973، كما كسر الجدار الصلب مع الصين وزارها زيارة تاريخية.
أما حرب أفغانستان والعراق فقد أشعلهما الجمهوري جورج بوش الابن معلناً انضمامه للمحافظين الجدد وابتعاده عن تقاليد الجمهوريين، هذا صحيح، لكنه جاء في عهد القطب الواحد حيث تغيرت الظروف جذرياً، ومع دونالد ترامب وجو بايدن، يبدو أن الأمور عادت كما كانت عليه بسبب انتهاء نظام وحيد القطب، حاول ترامب إعادة النظريات التقليدية للجمهوريين، عبر موقفه السلبي من الناتو وأوروبا واهتمامه بسحب جيشه من سورية والعراق وأفغانستان، أما بايدن فيعمل على إعادة إحياء النظرية الديمقراطية التقليدية عبر اهتمامه بحقوق الإنسان والديمقراطية والناتو وأوروبا.