الأخلاق والتَّديُّن
حسن م. يوسف :
عندما زار الإمام محمد عبده باريس سألوه ماذا رأيت؟ فرد عليهم: «رأيت مسلمين من دون إسلام وأرى هنا إسلاما من دون مسلمين».
ثمة اعتقاد بأن الأديان هي مصدر الأخلاق فلولاها لما ارتدع البشر عن اقتراف الجرائم وفعل الموبقات، وقد أشاد فولتير بالتأثير الإيجابي للتدين فقال: «إنني أريد أن يؤمن محاميّ وخياطي وخدمي بل حتّى زوجتي بالله، لأن ذلك يعني أن فرص تعرضي للغش والنهب وتدنيس العرض ستكون أقل».
وقد قرأت مؤخراً كلاماً جريئاً لقداسة البابا فرانسيس إليكم ترجمته: «ليس من الضروري أن تؤمن بالله كي تكون شخصاً جيداً، فالتصور التقليدي عن اللـه بات منتهي الصلاحية، بوسع الإنسان أن يكون روحانياً دون أن يكون متديناً، ليس من الضروري أن تذهب إلى الكنيسة وتتبرع بالمال، فالطبيعة يمكن أن تكون لكثيرين هي الكنيسة. بعض أفضل الأشخاص في التاريخ لم يكونوا يؤمنون بالله، في حين اقترف بعض أسوأ الأعمال باسمه».
جاء في الموسوعة المسيحية العالمية أنه يوجد في العالم 10000 دين متميز، منها 150 ديانة فقط يبلغ عدد المؤمنين بها مليون فرد فأكثر، وتوجد ضمن المسيحية 33830 طائفة مختلفة، أكبرها الكاثوليكية، وأصغرها الشيكرز التي تأسست في بريطانيا في القرن 18!
كثير من المسلمين يرون أن التدين هو أساس الأخلاق التي تحفظ تماسك المجتمعات، لكن بعضاً ممن يروجون لهذا القول لا يترددون في ترك بلدانهم عند أول فرصة والذهاب للعيش في (بلاد الكفار)! والحقيقة أن نماذج التنمية الناجحة كماليزيا وتركيا هي التي حاولت أن تجعل الدين علاقة عمودية بين المخلوق والخالق. فقد قال أبو النهضة الماليزية مهاتير محمد: «عندما أريد أن أصلي أتجه إلى الكعبة، لكن عندما أفكر بالتعليم أتجه إلى اليابان».
الملاحظ هو أن كل واحد من الأديان والمذاهب والطوائف يحتكر الصواب ومحاسن الأخلاق لنفسه ويعتقد أن السماء راضية عنه فقط. وغالباً ما يبرر لأتباعه شتى الممارسات الشنيعة بحق «الآخرين الضالين» كما تفعل داعش. بل قد تستخدم تلك الممارسات ضد المشكوك بولائهم من أتباعها أيضاً. وقد روى لي باحث جزائري متخصص في شؤون الجماعات المسلحة أن أمير إحدى الجماعات في الجزائر أبلغ نائبه أنه ينوي التخلص من شخص يشك في ولائه، وعندما سأله كيف يستحل قتله ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله» أجابه الأمير: «إذا صح ظني فيه أكون قد قتلته بجريرته وإن لم يصح ظني فيه أحتسبه عند اللـه شهيداً»!
النكتة هي أن نائب الأمير استفرد بأميره بعد نحو عشرة أشهر وأبلغه أنه قد عزم على قتله لأنه يشك بولائه، وعندما جادله في الأمر كرر على مسامعه فتواه: «إذا صح ظني فيك أكون قد قتلتك بجريرتك وإن لم يصح ظني فيك أحتسبك عند اللـه شهيداً!»
ما لا شك فيه أن التدين يساعد على ضبط المجتمعات، لكن امتناعي عن سرقة محل الصائغ بسبب وجود شرطي أمامه، لا يعني أنني أخلاقي، فالأخلاق هي التي تنبع تلقائياً من نفسِ الإنسان وتهدف لمراعاة مصالح الجماعة والحرص على أن يحققها وينميها.
وإذا تأملنا الواقع فسنجد أن بين أتباع كل عقيدة، أشخاصاً أخلاقيين يفعلون الصواب حباً بالخير وأنه ثمة أشخاص أشرار يقترفون الجرائم انسياقاً مع نزعاتهم الشريرة.