قضايا وآراء

حروب واشنطن.. فصل في حرب باردة

| تحسين الحلبي

يؤكد تاريخ السياسة والحروب في العالم أن الاقتصاد وما يفرضه من تنافس على المصالح والأسواق وممرات التجارة العالمية يعد من الأسباب الأساسية لاندلاع الصراعات والحروب الإقليمية والعالمية وهذا ما أثبتته الحربان العالميتان الأولى والثانية خلال القرن العشرين وهذا ما نشهده في هذه الظروف وتأثير الاقتصاد الحاسم ودوره في صراعات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.

وتؤكد معظم مراكز الأبحاث السياسية والاقتصادية في مختلف الدول الكبرى وأوروبا أن الولايات المتحدة تشهد أزمة تنافس حادة بينها وبين الصين بشكل خاص وروسيا بشكل عام، ويتضح أن كل الأخبار العالمية تشير إلى إعداد الولايات المتحدة لإستراتيجية حرب تتخلص بواسطتها من العبء الإستراتيجي الذي يشكله اقتصاد الصين وانتشاره في الأسواق العالمية وعجز الاقتصاد الأميركي عن إيقاف نمو الصين، وتزايد «خطرها» على مستقبل الهيمنة الأميركية من جميع النواحي.

وحين تجد الولايات المتحدة نفسها على غرار القوى الاستعمارية في الحرب العالمية الثانية عاجزة عن تحقيق أهدافها بالتنافس الشريف والمتوازن والتسليم بما تفرضه الأسواق سرعان ما تلجأ إلى الحصار والتضييق على الدول أو الدولة المنافسة وتلوح بالخيار العسكري بطرق كثيرة وتحوله إلى إستراتيجية لا بديل عنها، وهذا ما يشير إليه بوضوح أكثر دوغ باندو، الباحث في «معهد كاتو للأبحاث» والمساعد الخاص للرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان ومؤلف كتاب «الحماقات الخارجية: إمبراطورية أميركا العالمية الجديدة» في تحليل نشره موقع «19- ناينتين نايتي فور» في 25 تشرين أول الماضي تحت عنوان «كم حرب يريد بايدن شنها؟» جاء فيه أن «الرئيس جو بايدن أخرج أميركا من أفغانستان منهياً حرباً مفككة برغم أنها كانت مميتة وبالغة التكاليف بالمقارنة مع الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام، وبهذا الشكل سار على طريق الرئيس دونالد ترامب ونال رضا الجمهور الأميركي لكنه على ما يبدو يريد هو والمساعدون له شن حروب ثلاث كبيرة»، ويتساءل باندو: «هل يوجد في إدارته من يتحمل المسؤولية وهل يعرف هؤلاء ما يفعلون؟»

ويرى باندو أن الحرب الأولى هي التي هدد بها ترامب إيران فتحولت إلى حصار وعقوبات بعد الانسحاب من اتفاقية فيينا ثم لاحظ الجميع أن ترامب ووزير الخارجية مايكل بومبيو تراجعا بعد مجابهة إيران للقوات الأميركية وقصفها لقاعدتها العسكرية في بغداد وكان من الأفضل التسليم باتفاقية فيينا وبالعجز عن مواجهة إيران بالحرب، ويؤكد باندو أن «من الأفضل لبايدن تجنب أي حرب ضد إيران وحلفائها لأن الولايات المتحدة لن تحقق منها شيئاً بل ستتعرض بسببها إلى خسارة مصالح كثيرة في الشرق الأوسط».

أما الحرب الثانية فهي بموجب ما يراه باندو تتعلق بمواجهة روسيا الاتحادية والتهديد الذي تحمله لها واشنطن في البحر الأسود عن طريق إعلان رغبة واشنطن بضم أوكرانيا وجورجيا إلى حلف الأطلسي وهذا ما يعد بالنسبة لروسيا خطاً أحمر لا يمكن السكوت عنه ويكشف باندو أن إدارة بايدن ترتكب خطأ فادحاً إذا استمرت بتهديد روسيا بحرب على هذا الشكل لأن «معظم دول حلف الأطلسي سوف تترك واشنطن لوحدها في حرب كهذه وسوف تنشر روسيا أسلحتها النووية لردع القوات الأميركية ومنعها من الاستفادة من قدرات الأسلحة التقليدية»، ويضيف: «وإذا وجدت الولايات المتحدة نفسها في حرب مع روسيا وإيران معاً فإن كل دول أوروبا أيضاً لن تشارك فيها إلى جانب الجيش الأميركي».

وحول الحرب الثالثة التي تتحدث عنها وسائل الإعلام الأميركية ضد الصين وتهديد الإدارة الأميركية بشأنها، يسخر بانتو من أن يكون لمثل هذه الحرب جدية عند وزارة الدفاع الأميركية ويعتقد أن اللهجة الساخنة في موضوع حماية واشنطن لتايوان « الصين الوطنية» ليست سوى تهديد يهدف إلى تليين الموقف الصيني تجاه قضايا عالمية أكثر منها إقليمية فلا يعقل أن يكون سبب أي حرب عالمية بل وربما نووية مع الصين هو موضوع جزيرة تايوان الصينية التي يعد الخلاف حولها كحليف للولايات المتحدة قابلاً لمختلف الحلول.

في النهاية هل ستقبل اليابان وكوريا الجنوبية بالانضمام إلى أي حرب أميركية في قارة آسيا وهما يدركان أن الحرب ضد الصين ستكون حرباً أميركية ضد كوريا الديمقراطية المتاخمة للصين، فقد هددت كوريا الديمقراطية الولايات المتحدة علناً بأنها ستستخدم سلاحها النووي ضد الولايات المتحدة وحليفيها الياباني والكوري الجنوبي في أي حرب تشنها الولايات المتحدة على كوريا الديمقراطية التي تعد نفسها حليفة تاريخية للصين ويبدو أن سياسة بايدن تتجه الآن نحو تضييق حركة الصين في آسيا عن طريق استخدام الهند في بعض تحالفاتها لكن هذا التوجه لن يجدي ضد الصين ما دام الشعب الهندي هو الذي سيدفع مع أراضيه ثمن أي حرب مع الصين في حين ستقاتل الولايات المتحدة والأميركيون بدماء الهند وكل من ينضم لواشنطن في هذه الحرب، ولذلك يسود الاعتقاد بأن التهديد الأميركي بهذه الحروب الثلاثة مجرد فصل من فصول الحرب الباردة في عالم متعدد الأقطاب فقدت فيه الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من نفوذها ومنافستها الاقتصادية والعسكرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن