بهدوء عن الانفتاح العربي على سورية: إذا حدثتكم «الواقعية السياسية» فصدقوها
| فراس عزيز ديب
كانت النرجسية في السابق تقتصر على فكرةِ أن يقفَ الأرنب أمام المرآة فيرى بنفسهِ نَمِراً من دونَ أن يدرك بأن المشكلة في نظرهِ وليست في المرآة. أما في عصر «ربيع الدم العربي»، بدت النرجسية عند البعض معدَّلة، فالذي ظن نفسهِ يوماً نمراً يتهاوش على صيدةٍ اسمها سورية، بدا كضبعٍ يأكلُ الجيفَ التي يتركها لهُ حليفهُ، حفيدَ دولةِ الإجرام العثمانية، أما من جاؤوا بعده فما زالوا يعتقدون بقدرتهم على شراء كل شيء بما فيها المرايا المخصصة لتحويل الأرانبَ إلى نمورٍ، وعندما لم يجدوا ضالتهم، حاولوا بالصراخ إثباتَ وجودهم، وبالأكاذيب إخفاء حقيقتهم، بأنَّهم كانوا أول من خطط وحرض لتدمير هذه المنطقة وبشهادةِ شركائهم الفرنسيين أنفسهم والنتيجة ماذا؟ تجلس بائعة الهوى لتحاضر بنا كيف لها أن تحاكم ما تسميه «النظام السوري على جرائمه»؟ متى سيدرك هؤلاء بأن الزمن سبقهم وأن عجلةَ التسويات انطلقت ولن يوقفها حتى يصلي الزعماء العرب جميعاً في الجامع الأموي، كيفَ لا وذراعا دمشق ستستقبل كل من يدخلها بمحبة؟
بدأَ الانفتاح العربي على سورية يأخذُ أشكالاً أكثر جدية، الأمر الذي فتح الكثير من أبواب التحليلات التي لا نملك أن ننفي أو نؤكد أياً منها، لكن ووفق المعطيات لابد من توضيح ثلاث نقاط جوهرية:
أولاً: ساعي بريد أم ساعٍ للصلح؟!
خلال استقبالهِ لوزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد اللـه بن زايد آل نهيان تحدث الرئيس بشار الأسد مذكراً ضيفه بمواقف الشيخ زايد آل نهيان رحمة اللـه عليه، هذه الكلمات تختصر لنا الكثير من التحليلات فالتذكير بمناقبية وصلابة مواقف من يسميه محبوه بـ«زايد الخير» ما هو إلا نصف تصالح مع الذات وبمعنى آخر: سورية لم تتغير، يكفي فقط بأن تعودوا إلى نهج «زايد الخير» معها، لكن بالوقت ذاته سورية ليست بحاجة إلى ساعي بريد بينها وبين أشقائها العرب. كما لا يبدو أن الطرف الإماراتي هو مجرد ساعي بريد لنقل رسالة ما إلى القيادة السورية، هذا بالطبع ليسَ تقليلاً من مكانة هذه الدولة بل العكس، ولكن لأن الأميركي نفسه يعرف ما هي الخطوط الحمر السورية التي تسمح أولاً للقيادة السورية بتجاوزها، أهمها خروج كل القوات المحتلة والتوقف عن دعم الانفصاليين والحركات الإرهابية، عندها سيصبح وبشكل أوتوماتيكي خروج القوات الصديقة تحصيلَ حاصل.
ثانياً: إما إيران أو العرب؟!
دائماً ما يقع البعض في مغالطات كبيرة عندما يريد توصيف التقارب السوري مع الدول العربية، هناك من يراه من زاوية ضيقة جداً عنوانها: على سورية أن تختار بين العرب أو إيران، أو ما ذهبَ إليه البعض بأن العرب يريدون بأي طريقة إبعاد سورية عن إيران، واللافت أن من يروجون مقاربة كهذه يتجاهلون مثلاً بأن الإمارات العربية المتحدة التي حسب زعمهم جاءت تطلب من سورية الابتعاد عن إيران، تتمتع بأفضل العلاقات مع إيران، وبطريقةٍ معكوسة فإن إيران التي تتمتع بأفضل العلاقات مع الإمارات لن يقلقها الانفتاح العربي على سورية، لماذا الإصرار على أن تكونوا ملكيين أكثر من الملك؟
إذن هذه المقاربة لا تبدو اليوم في ظل ما يشهده العالم من نزوعٍ نحو الكثير من التهدئة صحيحة، لماذا لا نقول بتلازمِ المسارين معاً؟ كنا ومازلنا نقول إن توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى يعني إزالةَ الكثير من الاحتقانات، على هذا الأساس تبدو سورية وكأنها قادرة أن تلعبَ دور الوسيط بين الطرفين على قاعدة احترام كل دولة لسيادة الدولة الثانية والامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية، أي إن التوازن في العلاقة بين سورية وإيران من جهة وسورية والدول العربية من جهة ثانية وتحديداً دول الخليج العربي، يجب أن يكون نقطة استناد وليس مادة خلاف كما يصورها البعض!
ثالثاً: عمق إستراتيجي عربي أم إسلامي؟
مبدئياً يمكننا القول إن القومية أشمل من الدين وبالتالي فإن تعميق البعد الإستراتيجي للعمق العربي أهم بكثير من تعميق البعد الإستراتيجي للعمق الإسلامي، هذا بالمطلق، لكن إن أردنا أن نوصِّفَ أكثر فالقومية لا تثير المخاوف لدى الشعوب سواء أعجب البعض هذا الكلام أم لم يعجبهُ، لكنه بالنهاية مبني على قاعدة أن القومية العربية هي الحضن الذي تستند إليه شعوب المنطقة بمعزل عن حديث الأدلجة، نتحــدث هنا في المفهـــوم الشعبي.
أما العمق الإسلامي وتحديداً بعد ما رأيناه في مذبحةِ «ربيع الدم العربي»، فإنه للأسف سيبقى أشبه بحقل ألغام لا تعرف متى سيفجره بكَ ساعٍ لاستعادة إمبراطورية أجدادهِ الإجرامية المبنية على المذهبية تارةً والعنصرية القميئة تارةً أخرى، هل كان الانفتاح على تركيا خارج نطاق العمق الديني؟ وماذا كانت النتيجة؟ طالما أن شعوب هذه المنطقة مازالت هشة للدرجة التي تتلاعب بها فتوى من قبيل «قتل الثلث ليحيا الثلثان» فإن تعويم العمق العربي هو الأهم.
على هذا الأساس يبدو بأن سورية لا بديل لها عن عمقها العربي الذي يجب أن يتقدم على أي عمقٍ آخر، نحن لا نقول إن سورية ستكون على توافقٍ مع الأشقاء حول كامل الملفات وهذا إطار صحي، ومن قال إن سورية مثلاً ستفاوض على مبدأ التطبيع ومن قال إن سورية ستقبل التنازل عن أراضيها المحتلة؟ ليبقى كل على ثوابته ولكن دعوا شعوب المنطقة تعيش بالحد الأدنى من الأمن والأمان والطمأنينة على الأقل كما كانت قبل اندلاع «ربيع الدم العربي»، فماذا ينتظرنا؟
ما يجري هو فعلياً انطلاق العرب نحو لملمة الجراح وإعــادة ترتيب الصفوف وفـــق متغيـــرات جديدة تفرضها مرحلة ما بعد «ربيع الدم العربي»، علــى هــذا الأســاس فــإن الانفتاح على دمشق سيمتد ليشمل دولاً أكثر، لكن كلمة الفصل النهائية ستكون بموعد انعقاد القمة العربية القادمة، حتى ذاك الحين سيستمر الأرانب برؤية أنفسهم كنمور، أما حليفهم العثماني فلا نستطيع أن نجــزم بقــاؤه من عدمــه حتى ذاك الموعــد، مرحلة جديــدة بــدأت لكي نستطيع أن نتعامل بها بطريقــة صحيحة علينا أن نمتلك الحد الأعلى من الواقعية، أما كفانــا عقـــوداً من الشعارات؟!