قضايا وآراء

حظوظ مصطفى الكاظمي في رئاسة ثانية

| أحمد ضيف الله

جاء تعرض منزل رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي لهجوم إرهابي بطائرة مسيرة في الـ7 من تشرين الثاني 2021 في وقت دقيق وحرج، بعدما أدى الصدام ما بين المعتصمين المعترضين والمشككين بنتائج الانتخابات النيابية أمام المنطقة الخضراء منذ الـ19 من شهر تشرين الأول الماضي، إلى مقتل معتصمين اثنين وجرح آخرين، إضافة إلى حرق العديد من خيامهم في الـ5 من تشرين الثاني الجاري، حيث حملت القوى السياسية مسؤولية ما جرى للكاظمي وطالبت بالكشف عن المسؤولين عن ذلك وتقديمهم للعدالة.

محاولة اغتيال الكاظمي، جوبهت بشجب واستنكار دولي وعربي وعراقي، رافقها هجوم إعلامي منظم من قبل المعتمدين في فضائيات الفتنة المعروفة والمواقع الإلكترونية الممولة أميركياً وإسرائيلياً وخليجياً، تتهم قوى المقاومة العراقية وتلك المحسوبة على قوى الحشد الشعبي من دون تسميتها، أنها كانت وراء جريمة محاولة الاغتيال.

بالمقابل، شكك آخرون في دقة وصحة ما جرى، ممن يرون أن محاولة الاغتيال مسرحية رديئة الإخراج لخلق التعاطف مع الكاظمي، ودعم حظوظ إعادة تكليفه رئاسة الحكومة لدورة ثانية، لمنحه شرعية افتعال المعارك مع خصومه السياسيين، وفي مقدمتهم قوى المقاومة العراقية، مستندين في ذلك إلى عدم كفاية الأدلة الظرفية المعروضة التي تحسم، إن كان الهجوم قد تم بطائرة مسيرة أم كان بفعل انفجار من داخل المنزل، وإلى تضارب البيانات الرسمية التي تشير إلى أن الهجوم تم بثلاث طائرات مسيرة أسقطت منها اثنتان، وأخرى تؤكد أنهما كانتا اثنتين، أسقطت إحداهما، إضافة إلى التوقف الغريب لعمل منظومة الـC-RAM التي تديرها السفارة الأميركية لحظة الهجوم.

أنا لست بصدد تبني نظرية هذا الطرف أو ذاك، ما دامت محاولة اغتيال الكاظمي، ما زالت قيد البحث والتحقيق لكشف الضالعين في العملية الإرهابية، ولكنني أتساءل في ظل ما جرى: ما مدى أهمية إزالة أو إبعاد رئيس وزراء منتهية ولايته؟ فحكومة الكاظمي تعد مستقيلة، وهي لتصريف الأعمال فقط، منذ انتهاء دورة المجلس النيابي في الـ7 من تشرين الأول 2021.

مصطفى الكاظمي الذي كان قبلاً رئيساً لجهاز المخابرات الوطني منذ حزيران 2016، كلف رئاسة الحكومة أساساً «بشق الأنفس»، ومرر جزءاً من حكومته في الـ6 من أيار 2020، بصعوبة كبيرة، بعد أزمة استقالة رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي التي استمرت خمسة أشهر، حيث كان أحد المرشحين لرئاسة الحكومة ولم يحظ بتوافق الأحزاب السياسية كافة، عدا أنه كان مرفوضاً بشدة من قبل القوى المُقاومة للوجود الأجنبي في العراق، لاتهامه بالتواطؤ في جريمة قتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس من قبل القوات الأميركية، إلا أنه بعد محاولتين فاشلتين لتشكيل الحكومة من قبل محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي، أعاد رئيس الجمهورية برهم صالح طرح ترشيحه لرئاسة الحكومة مرة أخرى، ونجح في تمريره!

أمر تسمية رئيس جديد للحكومة العراقية لا يزال ضبابياً وغير محسوم، سواءً من جانب الكتلة الصدرية الفائز بالمرتبة الأولى بحصة 73 نائباً، الذين لم يحددوا بالضبط اسم مرشحهم لرئاسة الوزراء، إن كان «صدرياً قحاً» كما يصرحون، أم مرشحاً آخر، أو حتى الكاظمي نفسه؟ ولا من جانب «الإطار التنسيقي» المكون من قوى سياسية ومُقاومة شيعية، الذي زاد عدد نوابه، عن عدد نواب التيار الصدري، وليس صحيحاً أن «الإطار التنسيقي» تشكل من القوى المعترضة على نتائج الانتخابات كما يروج، بل إنه شكل في الـ20 من آذار 2021 لتنسيق المواقف بين القوى المشكلة له.

الظروف التي جاءت بالكاظمي رئيساً للوزراء لولاية أولى، مختلفة الآن، ولا أعتقد أنها مواتية لإعادة تكليفه، في ظلّ التطورات العراقية والإقليمية الحاصلة الآن، وهي وإن كانت موجودة، إلا أنها ضعيفة، فمن المتوقع أن يكون رئيس الوزراء القادم من خارج أوساط الائتلافات والأحزاب والقوى السياسية العراقية، على أن يكون مقبولاً من الجميع تفادياً للنزاعات، وأن يحظى بمباركة واشنطن وطهران لضمان تحييد صراعهما داخل العراق.

محاولة الاغتيال التي قوبلت بإدانات دولية وعربية وداخلية واسعة، لا يمكنها أن تُسهم في تعزيز فرص عودة الكاظمي لرئاسة الحكومة مرة أخرى، لأنها بالنتيجة تعني، منح الكاظمي تفويضاً في تحجيم قوى المقاومة المطالبة بإخراج القوات الأجنبية من العراق، فعملية اعتقال قاسم مصلح آمر لواء الطفوف في الحشد الشعبي في الـ26 من أيار 2021 التي تمت بطريقة مُهينة، ومخالفة للأصول والسياقات القانونية والعسكرية العراقية السائدة، ما زالت حية في ذاكرة العراقيين، كما أن مواجهة المعتصمين المحتجين على نتائج الانتخابات بالرصاص، وغيرها من القضايا، حقائق، لا يمكن حجبها بطائرة مسيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن