بمزيد من الحزن والتسليم بقضاء اللـه وقدره، وبقرارات الحكومة الرشيدة، وفاة المغفور بإذن اللـه راتبي المنتوف الذي أصيب بكورونا الأسعار وجنون البقر والبشر ولم يهنأ بلحظة دفء وحنان في جيبي المخروم لحظي المظلوم!.
وبيّن أطباء الميكانيك سبب الوفاة بأن الراتب المغدور أصيب بوعكة شديدة في فرامل سيارتي اقتضى معها نقل (كوليات) جديدة بدلاً من الكوليات القديمة المهترئة، وأي تأخير في تغييرها قد يودي بصاحبها (أي محسوبكم) إلى الوفاة والسقوط من قمة جبل قاسيون بالقرب من عبارة «إذكريني دائماً» نحو النهر الخالد بردى الذي حولناه إلى مجرى لمياه المجاري والصرف غير الصحي.
فأسرعنا نحو مستشفى بيع قطع غيار السيارات وسألنا عن ثمن الكوليات فتبين أن السعر بحدود الستين ألف ليرة سورية عداً ونقداً، فقررنا شراء المطلوب والذهاب إلى مشفى الأمراض الميكانيكية حيث جرت عملية جراحية لسيارتنا المصون وزرعنا في دواليبها الكوليات الجديدة، ودفعنا عشرة آلاف ليرة لا غير والله على ما أقول شهيد.
وحمدنا اللـه والحكومة على كل شيء وقلنا في سرنا وعلننا: أن يموت الراتب وننعاه خير من أن أموت أنا وينعاني الأهل والأصدقاء والمحبون، إذا بقي منهم أحد حتى الآن.
والحمد مضاعف هذه المرة فقد بقي من راتبنا الراحل عشرة آلاف ليرة سورية كفاف شهرنا، فاشتريت بثلاثة آلاف ليرة ثلاث ربطات خبز تكفينا ثلاثة أيام، و2 كيلو بطاطا بخمسة آلاف ليرة، وكيلو ونصف كيلو بندورة وعدت إلى بيتي غانماً سالماً وجيبي المثقوب يعاني آلام البطن والرأس والكلاوي والمثانة!.
المهم ليس وفاة راتب الشهر الحالي، بل إن راتب الشهر القادم سيلحق شقيقه المتوفى، ذلك أن طبيب الميكانيك أبلغني أن محرك سيارتي يحتاج إلى زيت محركات، أو ما يعرف بـ(تغيير زيت) وعند سؤال فخامته عن سعر (بيدون) الزيت قال: معك من الـ75 ألف ليرة إلى الـ150 ألف ليرة، مع مصفاة الزيت بحدود 15 إلى 20 ألف ليرة!!.
وهكذا تأكل السيارة حتى تشبع وأهل الدار على الكفاف ويكفينا الخبز والبطاطا وقليل من الزيتون الذي أهداني إياه صديقي من أرضه الخصبة والمعطاء، والله حامينا!.
وقالوا لي: لماذا يا رجل حابس نفسك في البيت؟ «اخرج وغير جو.. واو.. فعلاً فكرة، سأغير جو»، لكنني حائر أين سأحصل على جو نقي بعيداً عن زحمة المدينة وهواء عوادم السيارات، فقررت بعد تفكير عميق أن أبيع السيارة وأصرف ثمنها لقضاء أربعة أيام في ساحلنا الجميل وأرجع إلى بيتي وأنا مرتاح البال لا سيارة ولا كوليات ولا غيار زيت، وأنتظر (فتاة أحلامي) التي تأتي على حصان أبيض وتخطفني من بين أهلي وخلاني ونعيش أنا وهي «عمر تاني ونخلف صبيان وبنات» وعاهات تشبه حياتنا السعيدة المديدة، ونتذكر أبو ريشة الذي قال حكمته الشهيرة:
«تضربوا أنتو وهل عيشة»!