الخليج العربي بين زلازل نووية ومواقف تصالحية: عندما تدرك إسرائيل ثمن الاتفاق!
| فراس عزيز ديب
يومَ الأحد الماضي، ضرب منطقةَ بندر عباس جنوب إيران، زلزالٌ بلغت قوته ست درجاتٍ على مقياس ريختر، الزلزال الذي وقعَ على عمقٍ تم تقديره بعدةِ كيلومترات، شعر به كل سكان منطقةِ الخليج العربي لكنه لم يتسبب بأي ضرر، حادثة الزلزال تلك لم تكن لتمر مرورَ الكرام لولا تزايد الحديث في الأوساط السياسية الأوروبية حول تساؤلٍ واحد: هل كان الأمر فعلياً مجردَ زلزالٍ أم نجاح إيراني بإجراء تجربة نووية؟!
أياً كان الجواب على هذا السؤال لكنه حكماً يصب في مصلحة الطموح الإيراني؛ إن كان الجواب بالإيجاب فهذا يعني بأن أصحاب الشأن والمعرفة العلمية يُدركون بأن «إيران النووية» وعلى طريقة كوريا الديمقراطية كسرت الطوق الذي تفرضه الدول التي تسمي نفسها كبرى وباتت قوةَ أمرٍ واقع، يجب التعاطي معها على هذا الأساس، أما إن كان الجواب بالنفي فإن هذا الأمر سيُعيدنا إلى واقعِ الشد والجذب الذي نعيشه منذ خروج الملف النووي الإيراني إلى الساحةِ الدولية، لكن هل يمكننا ببساطة الدمج بين الجوابين؟!
ربما نعم تحديداً عندما نُدرك بأن في السياسة ما من تسريبٍ مجاني، وما من تسريبٍ ليسَ هدفاً سواء أكان بمعالم واضحة من عدمه فما الجديد؟
مطلع هذا الأسبوع نُقل كلامٌ منسوب لقائدٍ عسكري إيراني يتحدث فيهِ عن قدرة إيران على مواجهة الولايات المتحدة وإلحاق الضرر، من بينها قصفَ أهدافٍ أميركية في الخليج العربي، لكنه بالنهاية تكلم بواقعيةٍ بأن النتائج ستكون كارثية على المنطقة، وأنَّ الدمار والقتل سيطول الجميع.
هذا الكلام يبدو جيداً، بل وهو ما نطالب به دائماً بأن يمتلك البعض الكثير من الواقعية عندما يرفع من مستوى شعاراته، تحديداً لأن زمن الحروب التقليدية التي تستهدف البنى التحتية والرخاء الاقتصادي بدا وكأنهُ ولّى إلى غير رجعة.
بالوقت ذاته فإن اجتماعاً لمجموعة العمل «الخليجية الأميركية» الخاصة بإيران عُقد في الرياض نهايةَ الأسبوع المنصرم أفضى بيانه للكثير من العبارات المتوازنة، فالبيان رحبَ بالجولة السابعة القادمة من مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا، واعتبر بأن إيران قادرة أن تلعبَ دوراً مهماً في السلام والازدهار في المنطقة واعتبرَ بأن البحث عن الحل السلمي في الملف النووي الإيراني هو أولوية للولايات المتحدة ذاتها ولدول المنطقة، ولعلَ أهم ما جاء في البيان هو تأكيد الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون بأن تعميق العلاقات الاقتصادية مع إيران بعد رفع العقوبات الأميركية سيخدم المصالح المشتركة للمنطقة.
بعيداً عن بعض التفاصيل التي تكمن فيها الشياطين، إلا أن البيان وكأنه أراد القول بأن أصدقاء الولايات المتحدة في الخليج العربي لن يمانعوا اتفاقاً نووياً مع إيران يضمن فيهِ الجميع السلام والأمن الدائم وعدمَ تدخل أي دولةٍ في شؤون الدول الثانية، وهي خطوة شجاعة تستحق الاحترام، وربما قد تكون ملاقاة في نصف الطريق بين مقتنعٍ ولو ضمنياً بأن شعار «خروج الولايات المتحدة من الخليج العربي» غير قابل للصَرف سياسياً لأنَّها موجودة باتفاقيات مع دول لها سيادة، وبين من اقتنع بأن في هذه الحياة ما يستحق الوقوف عنده أكثر بكثير من فزاعة «الخطر الإيراني والطموح الإيراني» وما يتفرع عنه من مناوشات مذهبية»، لأن سياسة اللاحرب واللاسلم هي عملياً استنزاف مجاني للجميع بما فيهم الولايات المتحدة، لم يعد بإمكانهم التعايشَ معه في ظل ما يعانيه العالم من انكماشٍ اقتصادي، بل إنَّ ما سُرّبَ عن طرحٍ أميركي يعتمِد فرضية «اتفاق مؤقت» بدَت وكأنها جديّة أميركية بإغلاق هذا الملف ضربت من خلالهِ عصفورين بحجرٍ واحد:
أولاً: هي فرصة قد تسمح للإيراني ذاته اختبار الجديّة الأميركية في التعاطي مع تنفيذ الاتفاق، لنسميها نوعاً من الضمانات الأميركية غير المباشرة تُتيح لكل طرف الانسحاب من الاتفاق إن لم يلتزم الطرف الثاني بتنفيذ التزاماته، تحديداً لأن الجانبَ الإيراني كان ولا يزال يشكو واقعَ عدم وجود ضمانات للتنفيذ، اليوم يستطيع الإيراني وفق الصيغة المطروحة «اتفاق مؤقت» أن ينسحب بانتهاء فترة الاختبار المؤقتة.
ثانياً: إسكات إسرائيل. ليس هناك أبرعَ من الإسرائيليين في الاستثمارِ بالمواقف، هم لا يريدون حل أزمة البرنامج النووي الإيراني ليسَ من باب عدم منح إيران انتصاراً مجانياً، بل لأن الإسرائيلي دائماً ما يحتاج إلى قضية ساخنة يستند إليها، إلى معركة وهمية يكسب من خلالها التعاطف والاستثمار بها سياسياً، تحديداً لأنه بارعٌ في هكذا تسويق. لكن الأميركي بدا وكأنه يريد تبديلاً في طريقةِ التعاطي مع إسرائيل عشيةَ عودة المفاوضات وقد وضعَ سلّم الأولويات لما هو مسموح ولما هو غير مسموح، فإن قالت الولايات المتحدة وكررت بأنها لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، فلأنها تعي بأن الإيرانيين لا يسعونَ إليه، تبقى أزمة الصواريخ الباليستية وربما أن الطرح الأميركي المبني على فرضية الاتفاق المؤقت هو لمحاولة استكشاف نتائج السلّم الذي قد يجعل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ليس ذا مغزى، فهل ستستسلم إسرائيل بهذه السهولة؟
الجواب على هذا السؤال جاءَ منذ نجحت مساعي الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض بإسقاط رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو عن المسرح السياسي لدرجة هناك من يتحدث عن «إعدامه سياسياً»، وهو واقع يلزمنا تعديل صيغة السؤال لتصبح: ماذا بعدَ الاستسلام الإسرائيلي للإرادة الأميركية؟
مما لا شك فيه بأن الكيان الصهيوني لن يكتفي هذه المرة بالحصول على المكتسبات المالية والعسكرية، الثمن سيكون حُكماً أكبرَ من ذلك بكثير وهو سيكون في الحلقة الأضعف أي قطاع غزة فهل اتخذَ القرار بإنهاء الوضع في غزة؟
لم تستطع حماس حتى الآن أن تقدم نفسها ورغم كل التنازلات التي قدمها الجناح السياسي عبر الوساطات القطرية التركية كبديلٍ للسلطة الفلسطينية، بات اسم قطر موجوداً في كل المشاريع الإنسانية في غزة، وبات التركي الذي ينتظره قطيعه لتحرير القدس يقدم الضمانات تلوَ الثانية بقدرته على جعل «الشعب الإسرائيلي يعيش بأمان» حسب آخر اتصالٍ لهُ بما يسمى «رئيس إسرائيلي»، مع ذلك بقي الجناح العسكري لحماس وباقي الفصائل المقاومة على فكرةِ رفض كل السيناريوهات المقترحة والتي وافق عليها المكتب السياسي لحماس، من سلامٍ طويل الأمد برعاية قطرية تركية، إلى مساعداتٍ إنسانية بما فيها إعادة الإعمار بضمانات مصرية، اليوم بات هذا الجناح السياسي بنظر الحكومة البريطانية التي كانت ولا تزال الحضن الآمن لعصابات الإخوان المجرمين جناحاً إرهابياً، هذا سيعني حكماً سحبَ أي غطاءٍ في السياسة عن حركات المقاومة في الحرب القادمة فماذا ينتظرنا؟
تدنو منطقة الخليج العربي رويداً رويداً نحو الاستقرار الدائم فيما يبدو، وكأن أزمة الملف النووي مع إيران في طريقها للحل، ولكن علينا هنا أن نتذكر بأن زلزالاً قد ينتج عنهُ الكثير من الهزات الارتدادية، هروب في جنح الظلام هنا أو هناك، لكن ستبقى العين فعلياً على قطاع غزة، فعندما يظن الإسرائيلي بأنه قادر أن يختار الثمن الذي يريده عليهِ أن يعرف بأن الثمن محكومٌ بإرادةِ المقاومين في القطاع، هناك فيما يبدو.. يكرم المرء أو يهان!