ثقافة وفن

أكثر فنانة قدمت للفن حول العالم … الشحرورة صباح تدخل موسوعة غينيس بعد رحيلها

| سارة سلامة

للمرة الأولى نادراً ما يحرز فنان إنجازاً عالمياً بعد وفاته، وهذا ما استطاعت أن تحققه الأسطورة اللبنانية صباح لتكون أول فنانة في العالم تحقق إنجازاً عالمياً بعد رحيلها.

حيث أعلنت موسوعة غينيس العالمية للأرقام القياسية عن دخول صباح لها بعد وفاتها، كأكثر فنانة أعطت الفن حول العالم، وذلك بأرشيف فني ضخم قدمت فيه نحو 4 آلاف أغنية، و85 فيلماً و27 مسرحية.

وقد تفاعل الجمهور مع الخبر معرباً عن محبته الكبيرة للعملاقة الراحلة صباح التي لطالما كانت تقدم الفرح والسعادة. الأيقونة اللبنانية تؤكد من جديد أنها ما زالت قادرة على العطاء حتى بعد وفاتها، تستطيع تلك المرأة الحديدية أن تستثير شغفنا لنبحث عنها من جديد، نبحث عن فنها وجهدها وتعبها، عن صوتها وأغنياتها الخالدين في الذاكرة.

لم تكن الشحرورة إنسانة عادية بل تحلت بطاقة كبيرة جعلتها أيقونة عربية تمثل المرأة بأجمل صورها.

وها هي تدخل الموسوعة كأكثر فنانة أعطت الفن حول العالم، وذلك بأرشيف فني ضخم قدمت فيه نحو 4 آلاف أغنية و85 فيلماً و27 مسرحية.

وتعتبر صباح أول مغنية لبنانية وعربية وعالمية تدخل غينيس عما قدمته من عطاءات فنية، وهذا لم يصله حتى الذكور من الفنانين.

إرث فني

جانيت جرجس فغالي «1927/2014» مغنية وممثلة لبنانية، اشتهرت فنياً باسم صباح إحدى أيقونات الفن العربي، وواحدة من الأيقونات اللبنانية إلى جانب فيروز ووديع الصافي، امتدت حياتها المهنية من منتصف العقد 1940 حتى عقد 2000، لتترك خلفها إرثاً فنياً تلفزيونياً وسينمائياً ومسرحياً كبيراً خلدها كأسطورة في المجال الفني على مر العصور، اشتهرت بألقاب كثيرة منها: «الشحرورة» و«الصبوحة» و«صوت لبنان». كانت من بين أوائل المغنين العرب الذين وقفوا على خشبات المسرح العالمي كمسرح أولمبيا في باريس، وقاعة كارنيغي في مدينة نيويورك، وقاعة ألبرت الملكية في لندن ودار أوبرا سيدني.

وتنحدر الصبوحة من عائلة متواضعة، في وادي شحرور إحدى القرى اللبنانية، وكانت بدايتها الفنية في لبنان، واستطاعت أن تتميز بشهرتها المحلية، حتى لفتت انتباه المنتجة السينمائية اللبنانية الأصل آسيا داغر التي كانت تعمل في القاهرة، فأوعزت إلى وكيلها في لبنان قيصر يونس لعقد اتفاق معها لثلاثة أفلام دفعة واحدة، وكان الاتفاق بأن تتقاضى 150 جنيهاً مصرياً عن الفيلم الأول، ويرتفع السعر تدريجياً. ذهبت إلى أسيوط برفقة والدها ووالدتها ونزلوا ضيوفاً على آسيا داغر في منزلها بالقاهرة، وكلف الملحن رياض السنباطي بتدريبها فنياً ووضع الألحان التي ستغنيها في الفيلم، وفي تلك الفترة اختفى اسم «جانيت الشحرورة» وحل مكانه اسم «صباح» في فيلم «القلب له واحد» عام 1945م، وكان عمرها وقتها نحو 18 عاماً. ويقال إن السنباطي لاقى صعوبة كبيرة في تطويع صوتها وتلقينها أصول الغناء لأن صوتها الجبلي كان ما زال معتاداً على الأغاني البلدية المتسمة بالطابع الفولكلوري.

أوائل من قدم الأغنية اللبنانية

تعد صباح أول من قدم الأغنية اللبنانية، التي تتميز بالريتم والإيقاع اللبناني الصرف، الذي لم يكن معروفاً من قبل، عن طريق أغنية «يا هويدا هويدلك» في أوائل الخمسينيات.

فكان للشحرورة الفضل في نشر المواويل والأغاني اللبنانية في جميع أرجاء الوطن العربي ومختلف دول العالم من خلال الأفلام التي قدمتها والحفلات.

ففي حفل الـ «أولمبيا» الشهير في باريس، قامت بترجمة أغاني الفولكلور اللبناني إلى اللغة الفرنسية، وقامت بتقديم الموال والأوف باللغة الفرنسية، فألهبت حماسة الجماهير الفرنسية التي ذهلت بأداء وصوت «الصبوحة» الجبّار والقوي والفريد، كما كانت جاذبة لأعينهم بأناقتها.

بينما وقفت على أكبر المسارح العالمية ورفعت اسم لبنان عالياً في مختلف المحافل وبلدان العالم، ومن أبرز المحطات العالمية للشحرورة صباح وجودها على «مسرح الأولمبيا» في باريس؛ الذي يعتبر من أهم وأعرق مسرح في فرنسا حتى اليوم، وذلك برفقة فرقة «روميو لحود الاستعراضية» في منتصف السبعينيات، وكانت الصبوحة أول مطربة لبنانية تقف على هذا المسرح وثاني مطربة عربية بعد أم كلثوم، وفي العام ذاته، تألقت على مسرح «قصر الفنون» في «بروكسل»، أكبر مسارح العاصمة البلجيكية.

وفي سياق آخر، قدمت الشحرورة حفلات على أكبر مسارح الولايات المتحدة الأميركية، ومنها مسرح «ميوزيك هول» في بوسطن، وقاعة الـ «ماسونيك تامبل» في مدينة ديترويت، وقاعة «كارنيجي هول» في ولاية نيويورك؛ التي تعد أكبر قاعة في الولايات المتحدة الأميركية، وحلم كل فنان، لأنها من أعرق القاعات في العالم ومخصصة فقط للمؤتمرات العالمية ولا تخصص للغناء إلا في حالات نادرة ومهمة واعتبرت حفلات الصبوحة من بينها، وتجدُر الإشارة، إلى أن «الصبوحة» لاقت في نيويورك، وبوسطن، وديترويت تكريماً وتقديراً أميركياً واسعاً.

ومن المسارح العالمية التي وقفت عليها أيضاً، «مسرح بلايل» في باريس؛ وهي أول مطربة لبنانية وعربية تغني في هذا المسرح الضخم، وفي العام نفسه وقفت على مسرح «باليه دي سبور» قصر الرياضة في باريس، ومسرح «بورت دو فرساي» الضخم الذي يتسع أيضاً لـ 8000 شخص.

ولم تتوقف عند هذا الحد، ففي لندن غنت على مسرح «تياتر رويال دروري لاين»، ومسرح «البرت هول»؛ وكانت أول مطربة لبنانية تغني في هذا المسرح، وهو من أضخم المسارح في بريطانيا.

ولا يخفى أن «للصبوحة» محطات عربية وعالمية مهمة، حيث قدمت حفلات ضخمة جداً في معظم الدول الإفريقية كـ «دكار» في السينغال، و«أبيدجان» في ساحل العاج، و«منروفيا» في ليبيريا وغيرها من العواصم الإفريقية.

فيما شهدت البرازيل، والأرجنتين، وفنزويلا، والمكسيك حضوراً رائعاً لها، وبالطبع حفلات ضخمة في عدد كبير من البلدان العربية.

وحظيت الشحرورة في كل رحلاتها بتقدير وتكريم شعبي ورسمي كبيرين، والدليل حصولها على الكثير من الأوسمة والنياشين والدروع التكريمية، وكان لها علاقات وثيقة وقوية بكل الملوك والرؤساء العرب.

توفيت في العام 2014، عن عمر يناهز 87 عاماً وتعتبر جنازة صباح من أغرب الجنازات في العالم، حيث إنها أوصت قبل موتها بألا يحزنوا عليها وأنها تريد أن تُشيَّع على أنغامها، وهذا ما تمَّ تنفيذه من الشعب اللبناني وأهلها حيث إن جنازتها امتلأت بأغانيها وبالرقصات الشعبية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن