قضايا وآراء

سورية.. بين كيري ولافروف

مازن بلال

 

لقاء ثنائي روسي – أميركي أعاد فتح إمكانية رسم خريطة سياسية للأزمة السورية، فرغم أن مباحثات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مع نظيره الأميركي، جون كيري، لا تشكل حالة توافق لإعادة التوازن للعملية السياسية، لكنه يضع جميع الأطراف أمام استحقاق أساسي تجاه ما يقوم به ستيفان دي ميستورا، المبعوث الأممي في سورية، من مباحثات تهدف لعقد مؤتمر جديد في جنيف.
وبعيداً عن الرمزية التي اتسمت بها المباحثات الروسية – الأميركية، وعلى الأخص تبادل الهدايا، فإنها ستؤثر مباشرة في مستوى العلاقات الإقليمية، فيصبح هامش المناورة فيها أكثر حساسية، حيث تبدو التصريحات الصادرة عن لقاء لافروف – كيري إعلان نيات بشأن التعاون بينهما؛ يحدد المساحة الخاصة بكل طرف إقليمي، فالمشهد السياسي يدخل مرة أخرى ضمن حسابات دولية؛ تسعى لتخفيف التصعيد عبر رسم الأدوار الإقليمية من جديد.
ورغم التفاوت الواضح بشأن الأزمة السورية، وتركيز موسكو على الانطلاق بالحوار من خلال كسر الاحتكار السياسي لبعض الأطراف المعارضة، في وقت تؤكد فيه واشنطن على عوامل متعلقة بمسألة بتفاصيل بيان جنيف1، لكن التعامل لدى البلدين، ووفق التصريحات التي صدرت بعد المباحثات؛ ظهر وفق ثلاثة أمور أساسية:
– الأول نوعية المخاطر التي يراها كل طرف، وإذا كانت داعش عاملاً مشتركاً، فإن تأكيد لافروف على الازدواجية في موضوع الإرهاب يشكل إشارة لطيف واسع ممن يرفضون العملية السياسية، فروسيا تريد تحديد خط واضح بهذا الشأن، في حين تبدو الولايات المتحدة أكثر ميلاً لجعل مسار التفاوض عملية تفرز الأطراف وتحدد مقياس الإرهاب في سورية.
– الثاني طبيعة الحل السياسي للأزمة وهو أمر لا يخلو بيان دولي منه، لكنه يأتي اليوم ضمن إطار التلويح الدائم بالقوة، ووسط تحالفات عسكرية على المستوى الإقليمي، فالدولتان تبحثان عن حدود هذه التحالفات، من دون أن يعني هذا الأمر التوافق بقدر ما يعني أنه إقرار بضرورة وضع تصورات للدور الذي تقوم به التحالفات.
– الثالث مساحة الحل السياسي، فربما لا يكفي أن يؤكد الطرفان أن السوريين هم المعنيون بهذا الموضوع، ولا حتى آلية «انتقال السلطة» التي يتحدث الأميركيون عنها بشكل دائم، فالتمثيل السياسي للمعارضة كان ضمن تصريحات لافروف، في حين بقي كيري ضمن الدائرة الواسعة للحل السياسي، تاركاً لشركائه في المنطقة، تركيا والسعودية، فرصة للتعامل مع هذا الموضوع.
عملياً فإن التعاون بين موسكو وواشنطن، الذي وصفه كيري بـ«الملح»، سيشكل المفتاح الأساسي للأدوار الإقليمية التي تفوقت خلال الأعوام الماضية على الأدوار الدولية، ومنحت مساحة غير مسبوقة لكثير من الدول كي ترسم توازنات خاصة، فهناك بداية، ولو متواضعة، تطرحها اليوم التحركات الدبلوماسية ابتداء من لقاء لافروف – كيري، ومروراً باجتماع القادة الخليجيين مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في «كامب ديفيد»، وأخيراً في المباحثات المستمرة بشأن الملف النووي الإيراني، فترتيب الملفات ربما سيشكل عنواناً لمرحلة إقليمية دولية قادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن