أخلص للتراث العربي وتحقيقه حياته … د. محمد الدالي غادر الحياة ويده تقاوم على مخطوط الفرزدق
| د. إسماعيل مروة
حين كان الكتاب يشكل قيمة، وصدوره يترك صدى، ظهر كتاب (أدب الكاتب لابن قتيبة) في طبعة جديدة، وبدأ الأساتذة يتحدثون عنها وعن جودة العمل، ومن أن هذه الطبعة أكثر الطبعات جودة وإتقاناً، وبعناية اسم جديد في عالم التحقيق محمد أحمد الدالي، وعرفنا يومها أن المحقق في مرحلة الدراسات العليا، وينهل علمه، وفنه وتجويد العمل على يد علامة الشام أحمد راتب النفاخ رحمه الله، الذي أحبه، ومحضه الحب، وفتح له أبواب مكتبته ومخطوطاته، وقام برعايته ورعاية علمه ورغبته في التزود بالعلم واختاره ليكون الأكثر قرباً والتصاقاً به.. وبعدها صدرت أفضل طبعات كتاب الكامل للمبرد بتحقيقه أيضاً، وكانت شهادة العلماء والمحققين تشير إلى إتقانه وعمق نظرته.
سيرة علم وتحقيق
التقيت الدكتور الراحل محمد الدالي في نهاية الثمانينيات وأوائل التسعينيات عند المبدع أحمد المفتي الأديب البارع في مكتبته وكان من أقرب الناس إليه، وعند الدكتور شاكر الفحام الذي كان يعود إليه دوماً، وكان اللقاء الأكثر في مكتبة دار البشائر العامرة بدمشق حيث يلتقي المحققون والأحباب، وأغلبهم غادر الدنيا، وقد غادروها تباعاً، إبراهيم صالح، بسام الجابي، ومن بقي حفظه الله منهم، وطلبته الذين كانوا ينتظرون زوراته إلى دمشق للاحتفاء به والتزود منه ومن كتبه وعلمه مثل د. محمد قاسم وغيره من طلبته من «أدب الكاتب» إلى «الكامل» إلى «سفر السعادة» وغيرها من الكتب العلمية المحققة في مسائل النحو والقرآن كانت رحلة الدالي في العمل إضافة لتدريسه في جامعة دمشق، ولم يطل، ثم تدريسه في جامعة قطر وجامعة الكويت، وعضويته في مجمع اللغة العربية بدمشق، والتي لم تعمّر إذا انتهت بسبب سفره، وفي الأمر عتب من الطرفين، المجمع والدالي. ما من جلسة تخلو من حديث في مخطوط أو قضية علمية، أو سؤال عن كتاب، وحين يأتي الدالي يتحلق حوله أحبابه في محاولة لاسترجاع مجد الأستاذ وحلقة العلم، وكان محور الجلسة والحديث، لما له من نفس رضية، وعلم يملك القدرة على توزيعه على الجميع.
خاتمة المطاف
لا أذكر متى التقيته آخر مرة، لكن حديثه كان منصباً على ديوان الفرزدق وعمله به، ليكون الديوان الأكثر قرباً وصدقية لرواية السكري، وقد أعطاه الدكتور الدالي قسماً كبيراً من حياته ويقول مقربوه نقلاً عنه بأنه عمل في تحقيقه قرابة عشرين عاماً من الجهد والتعب، آخر مرة سمعت صوته في وفاة الأستاذ الدكتور عبد الإله نبهان، حين عزم أخي الدكتور حسان فلاح أوغلي على تكريم أستاذه نبهان بكتاب وشهادات، وتواصلت مع الدكتور الدالي وتواصل معه الدكتور حسان الذي أخبرني حزن الدالي غير المحدود على فقد الدكتور عبد الإله، لكنه لم يتمكن من كتابة شهادة بنبهان لأنها تحتاج جهداً، وهو العزيز عليه، ولكنه في الوقت نفسه مشغول بديوان الفرزدق ولا يريد أن يخرج من أجوائه. اليوم تذكرت ما قاله للدكتور حسان، وعجبت من هذا الإحساس في مسابقة الزمن لإخراج الفرزدق قبل أن يدنو الأجل الذي لم نكن نشعر به أو نترقبه.
الموت والعلم
كانت مصادفة لا تحدث في العالم الواقعي، أن ترحل أم صديقي الدكتور حسان، ويحضر لوداعها، وأن نكون معاً عندما يخبرني بأن الدكتور حسين جمعة كتب عن أن الدكتور الدالي في وضع حرج، يسافر صديقي، وأول ما قرأته صباحاً كلمات مؤثرة لصديقه وصديقي الوفي أحمد المفتي «لفقد فقدت العربية فارساً من فرسانها برحيلك، عالم العربية الدكتور الدالي.. فارقتنا باكراً».
وبعدها يكتب الدكتور سعد مصلوح «لقي ربه راضياً مرضياً، العالم الثبت المحقق والصديق الحبيب الدكتور محمد أحمد الدالي».
وردّ الدكتور حسين جمعة على كلمتني بالدعاء يرثيه «يا من كنا نطارد أروقة الأمل، فإذا بنا نسقط على هول الفاجعة بك».
ترجل الدالي تاركاً أوراق الفرزدق لتصدر دالة على علمه وقدرته وجهده، ليكون آخر رفاق دربه، ليجلس في مقعده هناك مع أساتذته النفاخ والفحام والسطلي ومن سبقهم.. لك الرحمات بما قدمت وأفدت وعلّمت..
ولد الدالي في مصياف 1953.
حصل على الإجازة 1978.
حصل على الماجستير 1983.
حصل على الدكتوراه 1988.
حصل على الأستاذية 2001.
أعير إلى قطر 1993-1998.
عمل في جامعة الكويت 2001-2019.
لقي ربه 21/11/2021.