ثقافة وفن

لقبها النقاد بـ«لؤلؤة المسرح» … سهير البابلي.. تميزت بخفة ظلها.. تزوجت خمسة رجال وتحجبت واعتزلت ثم عادت

| وائل العدس

غيب الموت مساء الأحد الماضي الممثلة المصرية سهير البابلي عن عمر ناهز 86 عاماً بعد أن ساءت صحتها إثر تعرضها لغيبوبة سكر أدت إلى عدد من المضاعفات دخلت على أثرها العناية المركزة.

وألقى هذا الخبر ظلال الحزن في مصر والعالم العربي، إذ كانت تحظى بمكانة رفيعة في قلوب الجماهير العربية، ولاسيما أنها حققت نجاحاً لافتاً في كل روافد الإبداع.

خطفت الأنظار بخفة ظلها على خشبة المسرح، وتألقت على شاشة السينما بمجموعة من الأفلام القوية، كما توهجت على شاشة التلفزيون.

حفرت مكانة خاصة لها في كل المجالات الفنية لتكون فنانة من طراز خاص، وواحدة من النجمات صاحبات البصمة الفنية الكبيرة عبر مشوارها الفني الذي تميزت خلاله بإتقان اللون الكوميدي، بدرجة إتقان اللون التراجيدي نفسه، ورغم ثراء أعمالها السينمائية والتلفزيونية، إلا أن المسرح كشف عن وجهها الكوميدي الذي تميزت به خلال مشوارها الفني، لتستطيع أن تسعد ملايين المشاهدين.

موهبة مبكرة

ولدت سهير البابلي في 14 شباط عام 1935 في محافظة دمياط، ونشأت في مدينة المنصورة المدينة الأصلية للعائلة، بمحافظة الدقهلية، كان والدها معلم رياضيات وناظر مدرسة المنصورة الثانوية العسكرية للبنين، ووالدتها ربة منزل شديدة الالتزام.

ظهرت موهبة التمثيل عليها منذ الصغر، إذ كانت تقلد نجوم الفن وتتحدث بطريقة لافتة، فالتحقت بعد حصولها على شهادة الثانوية العامة، بالمعهد العالي للفنون المسرحية ومعهد الموسيقا في الوقت نفسه، وراحت تخطط لاقتحام عالم الشهرة والأضواء، ولذا طرقت أبواب الأستديوهات والمسارح أملاً في فرصة تعبر من خلالها إلى قلوب الجماهير.

تتلمذت على يد أعلام التمثيل في ذلك الوقت مثل حمدي غيث وعبد الرحيم الزرقاني، ولم يكن طريقها للشهرة سهلاً أو مفروشاً بالورود، حيث عارضت والدتها المتشددة فكرة عملها بالتمثيل، على حين تحمس والدها للموضوع وشجعها كثيراً.

وعانت سهير البابلي بسبب الضغوط المادية في البدايات، حتى التقت المخرج المسرحي فتوح نشاطي الذي رشحها للعمل في المسرح القومي، ومن حسن حظها أنها عملت مع سناء جميل وأمينة رزق، الأمر الذي منحها خبرة فنية كبيرة، وساعدها على مواصلة المشوار.

في سنة 1957، انتقلت إلى شاشة السينما وشاركت في فيلم بعنوان «إغراء» وفي 1961 ظهرت في فيلم «يوم من عمري»، وصحيح أنها لعبت خلال أحداثه دوراً صغيراً، لكنها حققت شهرة كبيرة، بسبب الشعبية الجارفة لأبطال هذا الفيلم الذي ضم عبد الحليم حافظ وعبد السلام النابلسي وزبيدة ثروت.

توالت بعد ذلك أعمال سهير البابلي الفنيّة، وقدّمت عبر شاشة السينما نحو 50 فيلماً؛ أبرزها «ساحر النساء» و«هل أقتل زوجي» عام 1958، «حياة امرأة» و«لن أعود» عام 1959، «البنات والصيف» عام 1960، «لعبة الحب والجواز» عام 1964، «أخطر رجل في العالم» عام 1967، «غرام تلميذة» و«الشجعان الثلاثة» عام 1969، «العاطفة والجسد» عام 1972، «استقالة عالمة ذرة» عام 1980، «لحظة ضعف» عام 1981، «السيد قشطة» عام 1985، «يا ناس يا هو» عام 1991، «القلب وما يعشق» عام 1996، «عمر من البهجة» عام 2020.

وعلى خشبة المسرح قدمت 12 عملاً مسرحياً أهمها «مدرسة المشاغبين» عام 1973 بشخصية «المدرّسة عفت عبد الكريم» مع سعيد صالح وأحمد زكي وعادل إمام ويونس شلبي وهادي الجيار، «ريا وسكينة» عام 1982 بدور «سكينة» إلى جانب شادية وعبد المنعم مدبولي وأحمد بدير، ليطلق عليها النقاد لقب «لؤلؤة المسرح المصري».

من أهم مسلسلاتها نذكر «جراح عميقة» عام 1969، «عنترة» عام 1978، «بكيزة وزغلول» عام 1987.

ارتداء الحجاب

اعتزلت عام 1997 بعد ارتدائها الحجاب، ثم عادت عام 2006 من خلال مسلسل «قلب حبيبة».

فأثناء عرض مسرحية «عطية الإرهابية» قررت سهير البابلي اعتزال الفن وارتداء الحجاب في مفاجأة لجمهورها، وبعد أن تركت المسرحية اضطر المخرج ​جلال الشرقاوي​ أن يستعين بابنته عبير الشرقاوي لكي تمثل الدور إنقاذاً للموقف، في حين صرحت البابلي وقتها بأنها عندما قررت الاعتزال شعرت بأنها خافت من لقاء اللـه وأرادت إرضاءه، وكانت ابنتها قد ارتدت الحجاب وكانت تحرص على دراسة وحفظ القرآن فقررت سهير ارتداءه عام 1997.

وقد قيل أن السبب في ذلك هو لقاءاتها بالشيخ محمد متولي الشعراوي والدكتور مصطفى محمود اللذين كانت تحرص على زيارتهما مع مجموعة من الفنانات.

ولكن بعد الاعتزال بعد سنوات طويلة، عادت لتقدم بعض المسلسلات لكن بالحجاب، فكان أول عمل عادت به هو مسلسل «قلب حبيبة».

وعن عودتها بعد تسع سنوات من الاعتزال قال لها الشعراوي وقتها «وماله لو مثلتي وإنت بالزي ده، وتوصلي رسالة مفيدة وهادفة للناس، الناس بتشوف التلفزيون أكتر ما بتروح الجامع، وممكن تسمع منك أكتر ما تسمع مني».

خمس زيجات

تزوجت سهير البابلي من خمسة رجال، الأول في حياتها هو محمود الناقوري الذي أنجبت منه ابنتها الوحيدة «نيفين»، وعندما خيرها بين التفرغ لرعاية ابنتها أو الفن، فضّلت الفن، وعلى إثر ذلك حدث الانفصال.

الزواج الثاني كان من الفنان منير مراد، شقيق الفنانة ليلى مراد، والذي أحبها بشدة، وأشهر إسلامه من أجلها لأنه كان من أصول يهودية.

وكشفت أسباب انفصالها عنه في عدد من حواراتها الصحفية قائلة: «مصر عندما تزوجت منير مراد، كانت جنة يعيش فيها كل الجنسيات وكل الأديان ولم ينشغل أحد باختلاف الآخرين عنه، قبول الآخر كان خلقاً عاماً والتسامح كان سلوكاً، ومنير مراد كان محبوباً لأن أخته ليلى مراد، فلم يتعامل معه أو معها أي إنسان على اعتبارهما أغراباً أو يهوداً هم وغيرهم كانوا فقط مصريين ولهم مكانة وحب كبيرين في قلوب الناس، كان فارق السن كبيراً، كما كان غيوراً جداً، وكان يعشق المغامرات النسائية وسامحته مراراً على الخيانة وتدخلت ليلى مراد كثيراً، إلى أن وصلنا لطريق مسدود ولم أستطع الاستمرار».

تزوجت مرة ثالثة من تاجر المجوهرات أشرف السرجاني، وبعد أن توفي تزوجت من رجل الأعمال محمود غنيم، كما تزوجت من الفنان أحمد خليل، وانفصلت عنه بعد عامين، حيث دبت الخلافات بينهما بسبب شهرتها الواسعة، على حين كان «خليل» يتحسس طريق الشهرة.

وتشبه ابنتها «نيفين» والدتها كثيراً في الملامح والطباع، لذا كان المقربون منهما يؤكدون أن العلاقة بين سهير البابلي وابنتها كان فيها مزيج من مشاعر الأمومة والصداقة والود.

الوصية الأخيرة

كشف الدكتور رضا طعيمة صهر الفنانة الراحلة عن وصيتها التي أعلنتها قبل وفاتها، وقال: «وصية الحاجة سهير البابلي لم تكن عن تقسيم مال أو ميراث، لكن كان لها العديد من الأعمال الخيرية بينها وبين اللـه عز وجل وطلبت مني شخصياً بعض الطلبات، أولها عدم التوقف عن مساعدة الأشخاص الذين كانت تهتم بهم».

وأضاف: «طلبت الاستمرار في الأعمال الخيرية التي تقوم بها بعد وفاتها، وكان لها عدد من طلاب الطب وطلبت استمرار الاهتمام بهم وعدم وقف الزكاة لهم».

رمزاً للبهجة

نعت الممثلة المصرية إلهام شاهين مواطنتها الفنانة الراحلة قائلة إنها كانت فنانة عظيمة ورمزاً للبهجة في الوسط الفني، وكانت شخصية مثقفة ومن أهم الفنانات في تاريخ المسرح، وحظيت بمكانة كبيرة في قلوب جمهورها.

وأضافت إنها فخورة بأن جمعها عمل مع الفنانة في فيلم «السيد قشطة»، وأشارت إلى أن الدرس الأهم الذي علمته سهير البابلي للآخرين بعد مسيرتها الفنية الطويلة في الوسط الفني، هو أنها استطاعت تحقيق المعادلة الصعبة التي لم نستطع أن نحققها وهي التوازن في أعمالها كفنانة: «وأنا أتحدث عنها كنموذج للفنانات، إذ إن الفنان يواجه مشكلة إما أن يخلق أعمالاً خاصة بالمثقفين فقط والمهتمين بالمسرح، أو أعمالاً تجارية فقط للاستمتاع وقضاء وقت وضحك، لكن الراحلة قدمت فناً كوميدياً، وفي الوقت نفسه يحمل رسالة هادفة».

من جانبه قال الفنان أحمد بدير: سهير نموذج للفنانة المتوهجة، التي تتعاون مع زملائها: «أنا كنت صغيراً فنياً جنبها في مسرحية ريا وسكينة، ورغم كدا ساعدتني وكانت بتفرشلي الإفيهات، بلغة التمثيل».

وأضاف إن 90 بالمئة من أسباب نجاحه بمسرحيته الشهيرة «ريا وسكينة»، يتمثل في الفنانة الراحلة سهير البابلي: «كنا بنسميها غول المسرح، ورغم كدا كانت بتتعاون وتساعد كل الفنانين جنبها».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن