من دفتر الوطن

خبراء أزمات

| عبد الفتاح العوض

ثمة كتابات ترتدي الكآبة.. حروفها مغزولة بأحداث مؤلمة وهذه أسوأ الكتابات!!
قرأت منذ سنوات طويلة جملة في ذاك الوقت لم أستسغها واعتبرتها «حكمة» ضارة. فحوى الجملة كما أذكرها.
«إن هذه الحياة لا تعالج بل تدار» وفي شرحها مما فهمته أن إصلاح كثير من أمور الحياة صعب والأفضل التأقلم معها أو التخفيف من إحساسك بها…. إنها أشبه بإدارة الأزمات.
في ذاك الوقت كنت أظن أن قضايا الحياة على تشعبها قابلة مع الزمن ليس لإدارتها فحسب بل لإصلاحها، وبدا لي في أوقات ما أن الحياة قابلة للسيطرة.
لكن منذ أكثر من عشر سنوات بدأت الأشياء تتغير، وأخذت الحرب تلقي بكل قسوتها على مجتمعنا.. وأصبحنا كأفراد وكمجتمع نتعامل مع الحياة كما لو كانت «ملاكماً» قاسياً وغير منضبط وبلا رحمة وكل فترة يقدم لك لكمة خاصة بك.. لكمة تكاد لا تشفى منها حتى تأتيك لكمة أخرى.
لعله من أسوأ الأشياء أن ذلك يحصل مع معظم السوريين وأقول معظم السوريين كنوع من الحذر فربما يكون الجميع لكن لكل لكماته حسب وزنه و«مقاسه».
في المفاهيم العامة أن الشعوب وكذا الأفراد يعيشون حياتهم بشكل اعتيادي لكن تتخللها أزمات ومشاكل على فترات فيتعاملون معها ويخففون منها ويعالجونها إن أمكن ويخرجون منها حتى ولو بفعل الزمن.
لكن الذي يحدث معنا أننا نعيش الأزمات وتتخللها استراحات قصيرة نكاد لا نشعر بها وغير كافية لنعالج ندوب وجراح ما أصابنا.
مع الخبرة والتعلم يتبدى لكل منا أنه أصبح خبير أزمات ونحاول أن نستفيد مما تعلمناه لمواجهة الحالة الجديدة، لكن في الوقت العصيب ننسى كل ما تعلمناه… معظمنا يخذله المنطق عندما يحتاجه!!
وحتى في صغائر المشاكل التي نعرف كم هي تافهة تأز في داخلك كما لو كانت «دبوراً» نزقاً.
لكن ورغم كل شيء لا يمكننا أن نعيش الحياة إلا بقوانينها وليس بقوانين أي منا فكل له رغباته وأحلامه وطموحاته وبكل تأكيد هذه الرغبات «قوانينا الخاصة» متناقضة جداً فلهذا لا بد للقبول بقوانين وسنن الحياة وكثير منها صعب ومؤلم.
وبعد فإن منا من يرى الحياة تخطيطاً وقراراً وأن كل منا يصنع حياته… ومنا من يرى أنها قضاء وقدر وليس لنا من الأمر شيء.. ومنا من يراها معركة نصر أو هزيمة.. ومنا من يراها لعبة شطرنج يربح فيها الأذكى… ومنا غير ذلك وربما كل ذلك.
أريد أن أختم بدعاء يسمى دعاء السكينة:
«اللهم ألهمني السكينة لقبول ما لا أستطيع تغييره والشجاعة لتغيير ما أقدر عليه والحكمة لأدرك الفارق بين هذا وذاك».

أقوال:
• قال تعالى: (فَأَعْرِضْ عَمَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا).
• أنتم تريدون أجوبة جاهزة والحياة ليست هكذا.
• ميزان الإنسان قلبه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن