تثير حالة التناقض التي يظهرها متزعمو ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية»، الكثير من علامات الاستفهام، لجهة التخبط بين الأقوال والأفعال إزاء الحوار مع الحكومة السورية، وتسليم المناطق التي تسيطر عليها في شرق سورية إلى قوات الجيش العربي، وبين اتهام دمشق باستغلال تهديد النظام التركي لدخول مناطق «الميليشيات» وعدم جديتها في الحوار.
ثمة موقفان مختلفان يصبغان سياسة ميليشيات «قسد» وما يتفرع عنها مما يسمى «مجلس سورية الديمقراطية- مسد» و«الإدارة الذاتية»، الأول حيث يمكن تسميته، لحظة «الصحوة الكردية» وحديث متزعمي الكرد في شرق سورية عن سيادة ووحدة واستقلال سورية، والاستعداد للحوار مع الحكومة الشرعية، والثاني، لحظة «الرغبة الانفصالية» عبر ممارسة أفعال عدوانية «سياسية وميدانية» ضد دمشق والأهالي في المناطق التي يسيطرون عليها، ومن خلال التمعن في كلا الموقفين فإنه بالإمكان التأكيد أنهما نتاج ارتدادات ميدانية، في جغرافيا شمال شرق سورية، وانعكاس لمواقف النظام التركي وتطوراتها من شن عدوان جديد على المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات، إضافة إلى تأثر موقف «قسد» بالإشارات التي تصدر عن واشنطن.
ما الذي يجري مع «الكرد الانفصاليين»، وعلى أي «جنب» يريدون النوم؟
مع رفع النظام التركي عصا العدوان على مناطق منبج وعين عيسى وزيادة التحشيد العسكري للاحتلال التركي على خطوط التماس مع مناطق سيطرة الميليشيات، هرول قادة ومتزعمو الميليشيات للاحتماء بالمظلة الكبيرة للدولة السورية، فسارع متزعمها مظلوم عبدي في العاشر من الشهر الماضي إلى الإعلان عن استعداد «قسد»، لتقديم ضمانات للحكومة السورية بشأن وحدة سورية وسيادتها وحدودها وحفظ العلم الوطني، وذات الأمر سار عليه ما يسمى عضو هيئة الرئاسة في «حزب الاتحاد الديمقراطي» آلدار خليل، الذي يعتبر أبرز القيادات السياسية في «الإدارة الذاتية»، الذين أبدوا استعدادهم للدخول في الحوار مع دمشق بشكل مباشر.
مواقف «الكرد الانفصاليين»، السابقة والتودد من روسيا والحكومة السورية لم تكن على المستوى ذاته، بل سرعان ما كانت تتراجع مع تراجع صوت التهديد التركي، وخبو صوت التحشيد وقعقعة السلاح على خطوط التماس مع الاحتلال التركي، الأمر الذي تجسد في إعلان الرئيسة المشتركة لـ«مسد» إلهام أحمد أن مسؤولي «الإدارة الذاتية» رفضوا مقترحاً روسياً بإدخال ثلاثة آلاف عنصر من القوات الحكومية إلى مدينة عين العرب، لتضيف أن القبول بحل سياسي أو حوار مع دمشق لا يعني إطلاقاً التنازل أو تسليم أي منطقة للجيش العربي السوري، وهذا الموقف يمكن رده إلى الدور الأميركي المعرقل لأي تفاهم أو حوار بين «الكرد» والوطن الأم سورية، خاصة بعد لقاء وفد أميركي برئاسة نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، إيثان غولدريتش مع قيادة «الإدارة الذاتية» في القامشلي، وإعطاء طمأنات بأن الاحتلال التركي لن يشن عدوانا على مناطق سيطرة الميليشيات.
في المطلق فانه من الصعب الحوار أو التوصل إلى نتيجة مثمرة مع شخص أو جهة تعيش حالة من الوهم، ومرتهنة لطرف آخر، فهي بذلك سوف تعتبر أن أي شي تقدمه هو في الأساس حق لها «وفق أوهامها»، وهنا فإن «الكرد الانفصاليين» في الحالة الأولى، يعتبرون أن عودة سلطة الدولة إلى المناطق التي يسيطرون عليها، ودخول الجيش العربي السوري إليها، وعودة الثروات الطبيعية إلى إدارة الدولة، هو تنازل عن حق هم يدعونه، وفي الحالة الثانية، فإن أي قرار سوف يقدمون عليه ستكون مرجعيتهم في اتخاذه «الاحتلال الأميركي» بحكم الارتهان له، وفي كلا الحالتين فإن الأمر يتطلب إضافة إلى قناعة «الكرد» بضرورة عودة الأمور إلى طبيعتها قبل الأزمة السورية، يتطلب اتفاقاً دولياً وضغطاً على أصحاب الرؤوس الحامية من «الكرد».