في عيدها الثالث والستين.. أيام الثقافة السورية (أصالة وتجدد) … وزيرة الثقافة لـ«الوطـن»: الثقافة السورية متجذرة بالتاريخ ولكنها أيضاً منفتحة وعصرية غير محنّطة
| سوسن صيداوي ت: طارق السعدوني
الثقافة بكل مناحيها ومجالاتها، هي هوية الشعوب الإنسانية، وهي بطاقة تعريفها للآخر، كيف لا؟!… وهي الحاضن لإرث تواترت عليه الشعوب لآلاف السنين من الأجداد صنّاع الحضارة. وفي العيد الثالث والستين على تأسيس وزارة الثقافة السورية، تحتفل -بكل عام بهذه المناسبة- بما تقدمه من مشاريع وخطط ومهرجانات وفعاليات ومعارض واحتفاليات….. إلخ، وكل منها حسب المديريات الرافدة للوزارة، الأخيرة عبر السنين الماضية وحتى اليوم تقف بكل جدّية كي تقدّم كل ما هو أفضل، ورغم كل الصعوبات وعلى الخصوص في السنوات العشر، لجمع كل ما هو أساسي في المحتوى السوري، ليبقى نابضاً كالشعلة للأجيال القادمة.
في الاحتفالية
بمناسبة مرور ثلاثة وستين عاماً على تأسيس وزارة الثقافة السورية، وبحضور فعاليات رسمية وإعلامية وفنية ومن كافة الأطياف من المجتمع السوري، أقيمت احتفالية أيام الثقافة السورية (أصالة وتجدد) في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق، وفعالياتها المتنوعة وفي كافة المحافظات بنحو 170 نشاطاً متنوعاً من حفلات موسيقية ومعارض تشكيلية وعروض مسرحية وندوات ومحاضرات، ستستمر لمدة ستة أيام قادمة. بدأ برنامج الحفل بالوقوف دقيقة صمت، تلاها عزف النشيد العربي السوري من قبل أوركسترا السيمفونية الوطنية بقيادة ميساك باغبودريان. ثم عُرض فيلم قصير يشرح أهم النشاطات التي قامت بها وزارة الثقافة عبر مديرياتها على مدى عام كامل، وكيف استطاعت تحسين الوضع الثقافي وتكريس دورها في ترسيخ الهوية السورية ماضية في الأصالة والتجدد الفكري والثقافي. هذا وبين الفيلم كيف قامت مكتبة الأسد بمهامها من حيث ترميم المخطوطات وعرضها في المعارض، واحتضانها للورشات المتنوعة والمحاضرات والندوات، وآخر نشاطاتها كان معرض الكتاب. وعن مديرية المتاحف كيف انصبّ اهتمامها بترميم الآثار، والعمل الجاد على استعادتها بعدما قامت آيادي الإرهاب بتدمير المواقع والإتجار بالآثار خارج البلد. وعن مديرية المسارح أشار الفيلم كيف بقيت ناشطة بعروضها المسرحية والموسيقية في كافة المحافظات، مع إقامة مسابقة لتشجيع الشباب على الكتابة المسرحية. وبالنسبة لدار الأسد للثقافة والفنون، فهي بقيت مستمرة بمهرجاناتها المتنوعة. أما المعهد العالي للموسيقى فما زال جاداً بتخريج المهارات الشبابية المتمتعة بالذائقة الموسيقية الراقية. في حين المعهد العالي للفنون المسرحية بقي رافداً لأهم المواهب الشبابية في التمثيل. وبالنسبة لكلية الفنون الجميلة فلقد ساهمت بتخريج أهم المواهب الأكاديمية في الرسم والنحت والتصوير الضوئي. وأشار الفيلم إلى افتتاح المعهد العالي للسينما ليكون ركيزة أساسية في تخريج جيل قادر على الاستمرار في تجديد العالم السابع الذي تهتم به المؤسسة العامة للسينما وأيضاً بتشجيعها للشباب بتبني المواهب الشابة في المسابقات عبر الكتابة والإخراج. كما وأشار الفيلم على نشاطات المراكز الثقافية في كافة المحافظات، والجهد المبذول من قبل الهيئة العامة للكتاب التي سعت بأن يكون الكثير من النصوص مطبوعة لتصبح كتباً بمتناول الأيدي.
كلمة الثقافة
على هامش الاحتفالية وبالنيابة عن رئيس مجلس الوزارء حسين عرنوس راعي احتفالية (أيام الثقافة السورية)، ألقت وزيرة الثقافة كلمة، شكرت فيها كل العاملين في المجال الثقافي في وزارة الثقافة على جهدهم الدؤوب في إقامة الفعاليات المتنوعة والتي ستستمر لمدة عشرة أيام قادمة، كما وشكرت أيضاً كل العاملين في المجال الثقافي لمدة ثلاثة وستين عاماً في صون الثقافة السورية. وعلى هامش الاحتفالية قالت وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح «نحتفل بذكرى تأسيس وزارة الثقافة، ثلاثة وستون عاماً مرت على تأسيسها، وهي من العمل الدؤوب والجهود المخلصة لتظهير عراقة هويتنا الثقافية، وتعدد مشاربها وغنى مكوناتها، وانسجام ألوانها، وللكشف عما قدمه إنسان هذه الأرض للبشرية جمعاء وللحفاظ على الإرث الحضاري العظيم….. وإذا كنا نحتفل بمرور ثلاثة وستين عاماً على تأسيس وزارة الثقافة رسمياً، فالحضارة السورية على هذه الأرض عمرها حسب الدراسات الأخيرة عشرة آلاف عام، وهي أرض مأهولة تضجّ بالحياة، وتنتج قمحاً وعلماً وإدارة وتجارة وعمراناً، والإنسان على ظهرانيها يكافح، يرتقي ويبدع، ينشر فكره وقيمه، ويبني خلقاً وعملاً أينما حل». وفي تصريح خاص بـ(الـوطـن) تابعت بأن العطاء متبادل ما بين سورية الوطن ووزارة الثقافة متابعة» الثقافة السورية ثقافة أصيلة وهي متجذرة بالتاريخ ولكنها أيضاً منفتحة وعصرية غير محنّطة، فنحن نرفض أن نحنّط تراثنا بل نريد له أن يتطور دائماً، بل ويتقدم للأمام وأن يجاري الذائقة الشبابية والقادمة لأجيال، فنحن نريدها أن تحب هذا التراث، ولذلك نحاول دائماً أن نحتضن المواهب الشابة والطاقات المخضرمة، فالقامة صباح فخري لم يكن شاباً عندما توفاه الله، ولكنه طوال فترة حياته أدى الكثير وأعطى الكثير للتراث السوري وجدد فيه، ونحن نريد أن يستمر العطاء والتجديد».
في التكريم
خلال الاحتفالية تم من قبل: وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح، ووزير الإعلام بطرس حلاق، ووزير السياحة محمد رامي مارتيني، وعضو القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي مهدي دخل الله، تكريم برتبة نخبوية لمجموعة من المثقفين السوريين الذين ساهموا بعطائهم لعشرات السنين، وقدموا كل ما يلزم من أجل المضي بثقافتنا السورية لتكون إرثاً للأجيال القادمة، والأسماء المكرمة هي: المربية الموسيقية إلهام أبو السعود، الفنان الخطاط محمد القاضي، الأديب د. عاطف البطرس، المخرج السينمائي عبد اللطيف عبد الحميد، الباحث الموسيقي محمد حنانا، الأديبة د. ناديا خوست.
الحفاظ على الموسيقى السورية
على هامش تكريمها صرحت المربية الموسيقية إلهام أبو السعود لـ«الوطـن» الموسيقى ثقافة، ويجب أن ترقى بها الطاقات، لتبقى بمكانتها العظيمة ولتصل بالشكل الصحيح للشباب. ومن أجل دورها الصحيح يجب أن نقدم التربية الموسيقية وفق الأصول بعيداً عن الهبوط والاستسهال، وأتمنى من الأجيال السورية القادمة بأن تحفظ الموسيقى السورية الطربية والتراثية الأصيلة، وأنا سعيدة بتكريم وزارة الثقافة لي وأشكرها، وأشكر كل من يعمل على حفظ الثقافة السورية وصونها».
مفخرة لهذا البلد
عن تكريم الفنان الخطاط محمد القاضي قال لـ«الوطـن»: «تكريم أي قامة فنية أو إعلامية أو أدبية هو مفخرة لهذا البلد، برغم ظروفه الاستثنائية التي يعيشها، سورية التي عمرها عشرة آلاف سنة دائماً تؤكد بكل المناسبات وجودها الحضاري والاستمرار بقوة، وأنا سعيد بهذا التكريم».
هذا الأمر عزيز
الأديبة د. ناديا خوست عبرت عن سعادتها بهذا التكريم في حديثها مع «الوطـن»: «من الجميل جداً أن تقوم وزارة الثقافة السورية بتكريم المبدعين السوريين وبعض المثقفين، وهذا الأمر عزيز علي جدا، لأنه يتم في وطننا سورية وخصوصاً في ظل هذه الظروف الصعبة، والتي تواجه كل الإبداع وكل تحديات الثقافة، فهو أمر جميل جداً وأنا أرى أن هناك الكثير من الأشخاص الذين سبقوني وهم أحق مني في هذا التكريم، وأنا سعيدة بعملنا الثقافي، وأخيراً أقول لكل من بقي في سورية وفي مواجهة التحديات شكراً للبقاء والنضال من أجل الهوية السورية».
صفحات بيض تصنعنا الثقافة
الأديب د. عاطف البطرس «برأيي أجمل ما يحصل للإنسان هو تكريمه من موقع ثقافي وبرعاية رئيس مجلس الوزراء ووزارة الثقافة، فنحن صفحات بيض تصنعنا الثقافة، فلا حياة لشعب من دون ثقافة، ورغم اختلاف الشعوب في ثقافتها، ولكنها تتوحد في صيغة الإنسان المعاصر، الذي يستحق أن يحيا في هذا الكوكب بكرامة وشرف وعلم وحضارة».
تجدر الإشارة
تلى التكريم العديد من اللوحات الموسيقية التي عزفتها الأوركسترات الوطنية السورية، والعزف المنفرد لمجموعة من الشباب السوري الواعد، إضافة إلى لوحات راقصة والتي رافقتها جميعها مقاطع بصرية، ومنها نذكر أولها جاءت تكريماً لقلعة حلب الراحل صباح فخري، واللوحة الراقصة قدمتها فرقة جلنار، والفقرة التي جاءت بعدها قدمها الفائزون في المسابقة الوطنية الأولى لليافعين لهذا العام وهما الطفلان: فراس حرب وجاد إبراهيم بالعزف على آلة الكمان، ومرافقة الأوركسترا بقيادة المايسترو أندريه معلولي، وأخيراً عزفت السيمفونية السورية بقيادة المايسترو عدنان فتح اللـه مقطوعة موسيقية كلاسيكية، رافقها عرض راقص بعنوان «تدمر بوابة الشمس» وما تعرضت له من تدمير على أيدي الإرهابيين.