تزامنَ الاحتفال بأيام الثقافةِ السورية بالأخبار الواردة من الشقيقة مصر عن قيام الجهات المخولة بوقف تصاريح عمل لمطربين يسمونهم في مصر «مطربي المهرجانات»، أو «نشاذ الفن»، والكثير من الأوصاف التي تبدو في الكثير منها منطقية، نظراً لرداءةِ ما يقدمه هؤلاء شكلاً ومضموناً.
ربما تستطيع كل من القاهرة ودمشق أن تفخرا لكونِهما العاصمتين الأكثر تصديراً للثقافة في هذا الشرقِ البائس، عبرَ تمكنهما من دخولِ كل بيتٍ عربي في المسرح والموسيقا والأدب والشعر، على هذا الأساس بدت على عاتقهما مهمة كبيرة للتصدي لكل ما هو موحش.
في سورية لا نبدو اليوم كأننا في حالٍ جيدة للتصدي لمهمة كهذه، دعكم من الخطابات الرنانة وإنجازات الحبر على الورق لكن واقع الحال فإن الثقافة اليوم هي آخر الاهتمامات، وإن كانت «الرداءة الفنية والثقافية» لا تزال ضمن حدود التسامح.
في مصر يبدو هناك الكثير من التناقض في الحالة الثقافية، فعند مراجعتك لبعض الأسماء التي جرى سحب تراخيص العمل منها ستصاب بالذهول (كزبرة حنجرة، العصابة، وزة مطرية) لا تعرف هل إنّ ما تقرؤه فعلياً أسماء مطربين أم أسماء حركية لعصابات الاتجار بالبشر؟! لكن هذا الذهول قد يتحول إلى جلطة قلبية إن استعنتَ بالعم غوغل لتتابع بعض ما أبدعهُ هؤلاء، كأوبريت «إديلو مَطْوة» للفنان الكبير «حمو طيخة»! ستتساءل: وكيف كان يعمل هؤلاء أساساً؟!
اللافت أن قرار المنع مؤقت وهو يطالب هؤلاء بالخضوع لامتحانات دخول النقابة، لكن ألم يكن قرار كهذا متأخراً إلى الحد الذي بدا معه هؤلاء ظواهر لا يمكن إخفاؤها؟ ملايين المشاهدات لتخريفاتهم، ملايين المتابعين لصفحاتهم، كيف ستستطيع أن تحمي المجتمع من تفشي البذاءة؟
لكن في المقابل هناك من يعتبر أن هذه الحالة تمثل شريحة من المتابعين لا يمكن تجاهلها، بل قد نذهب أبعدَ من ذلك لو قلنا بأن المشكلة قد لا تبدو بخروج نوع كهذا من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، المشكلة أننا كمجتمعات ما زلنا غير قابلين لتفهم فكرة الاختراق الذي يبدو منطقياً في زمن الإنترنيت.
في عالمنا العربي، كُنا ولا نزال بحاجةٍ فعلية لإعادةِ تعريف مفهوم الثقافة، فهذا الإطار المطاط ينطلق من راقصةِ الملاهي الليلية لكون الرقص ثقافة وصولاً إلى الشعراء والأدباء، فعندما ندافع عن الوجه الثقافي لهذا البلد أو ذاك علينا أن نحدِّد بالضبط ماذا نعني بالوجه الثقافي الذي لا يجب الإساءة إليه؟ ثم لماذا لم تقم الدول الغربية مثلاً بالخوفِ على مجتمعاتها تجاهَ اختراقات كهذه، الجواب هنا بسيط: تلك المجتمعات لديها قابلية أكبر لفصل الغث عن السمين، تلك المجتمعات تعي بأن عدد «اللايكات» لا يعني قيمة ما تقدمه فالكلب الياباني «مارو تارو» لديهِ في كل منشور مئات الآلاف من الإعجابات، المشكلة هي فشلنا أساساً بتحصين المجتمعات وظننا بأن المجيء ببضعة مشاهير في الدراما كناطقين باسم الحركة الثقافية التي فصَّلها البعض على مقاسهم سيفي بالغرض.
في الخلاصة: نحن في زمن العولمة وعلينا توقع كل شيء، لكن هذا لا يمنع من التذكير بالعبارة التي تلخص حالنا الثقافي:
لعن الله الساعة التي عرف فيها العرب أن نشر الفديوهات الشخصية قد يجعلك تجني المال!