قراءة لجنة في مجلس الشعب لموازنة 2022 … لم تتحسن الأوضاع المعيشية بل ساءت بقرارات حكومية .. اللجنة تتحفظ وتشك برقم العجز وتدعو إلى عدم اتباع التقشف في الإنفاق
| هناء غانم
انتقادات وتوصيات عديدة تقدمت بها لجنة الموازنة والحسابات في مجلس الشعب حول مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام 2022، اللجنة أكدت بداية في تقريرها الذي حصلت «الوطن» على نسخة منه ضرورة العمل على رفع الرواتب والأجور للعاملين في الدولة وخاصة أنه ورد في مشروع الموازنة زيادة في بند الرواتب والأجور بما يعادل 56 بالمئة مع تأكيد ضرورة الحد من ارتفاع الأسعار المتتالي بما يتناسب مع الدخول كمرحلة أولى ومن ثم العمل على تخفيض الأسعار والتركيز على تشجيع الإنتاج لتوفير الاحتياجات وتخفيض التكاليف.
وضرورة العمل على تعديل نظام العقود الصادر بالقانون رقم 51 لعام 2004 وبالمرسوم رقم «450» المتضمن دفتر الشروط العامة لكونه معرقلاً لتنفيذ الموازنة الاستثمارية في عدد كبير من مواده وخاصة المتعلقة بطرق وأساليب تأمين احتياجات القطاع العام.
وأشار التقرير إلى إعادة النظر بالاستجرار المركزي لكونه لم يؤد إلى الغرض المطلوب منه في تأمين احتياجات الجهات العامة «خاصة المشافي» إضافة إلى عدم الاستفادة من تكلفة الفرصة الضائعة والخسائر المتحققة نتيجة تقلبات سعر الصرف ما يؤدي إلى زيادة الهدر نتيجة زيادات الأسعار وحجب الخدمة الطبية عن المواطن.
وذكر التقرير أن مشروع البيان المالي بحاجة إلى إصلاح في النظام الضريبي وتحقيق العدالة الضريبية بحيث يتم التركيز على ضريبة الأرباح الحقيقية أكثر من التركيز على ضريبة الدخل على الرواتب والأجور كذلك التحقق من التكاليف الضريبية لأصحاب الدخل المقطوع كونها تحقق موارد مالية كبيرة. والأهم عدم اللجوء إلى التمويل بالعجز والمقدر بموازنة عام 2022- بـ«4118» مليار ل.س وبنسبة 31 بالمئة من إجمالي اعتمادات الموازنة البالغة 13325 مليار ليرة واستبدال هذا الأسلوب بالتوسع بإصدار سندات الخزينة والعمل على تحريك أسعار الفائدة والسماح للمودعين بالقطع الأجنبي بالحصول على فوائد على ودائعهم وذلك بهدف توطين الودائع واستثمارها وطنياً. وطلب بالإسراع بتثبيت العاملين المؤقتين المعينين بموجب عقود سنوية من خلال المسابقات المزمع إعلانها مع الاحتفاظ بقدمهم الوظيفي والتأكيد والاستمرار بمشاريع أتمتة العمل في مختلف الوزارات والجهات العامة لكونها تؤدي إلى تحسين الأداء والحد من الهدر والفساد.
وطالبت اللجنة في تقريرها بإعادة النظر بالقرارات الحكومية الخاصة بالعمليات المالية والمصرفية مثل سحب مبلغ مليوني ليرة بشكل يومي أو السؤال عن مصدر القطع بالنسبة للمستوردين ما يؤدي إلى إحجام المتعهدين والمستوردين عن الاشتراك بالمناقصات وبالتالي عدم تنفيذ الموازنات الاستثمارية وانخفاض نسبة التنفيذ.
وفتح سقف الراتب المقطوع لجميع فئات العاملين في الدولة تماشياً مع الارتفاع الجنوني في الأسعار، وتعديل الحد الأدنى المعفى من ضريبة الدخل على الرواتب والأجور بحيث يصبح نسبة من الراتب «مثلاً 50 بالمئة» بحيث يزداد الحد الأدنى المعفى مع كل زيادة تطرأ على الرواتب والأجور أسوة بالنسبة المقتطعة للتأمين الصحي، إضافة إلى احتساب التعويضات والحوافز والمكافآت على أساس الراتب الجاري وليس على أساس راتب عام 2013.. مع التأكيد على وضع نظام حوافز يتم ربطة بالإنتاج بما يسهم في تحسين الوضع المعيشي للعاملين في الدولة. إضافة لإعادة النظر بالقرارات الحكومية الخاصة بالعمليات المالية والمصرفية.
وعن التحليل العملي لموازنة عام 2022 ذكر التقرير أن مشروع الموازنة العامة للدولة قدم في موعده الدستوري وهو أمر إيجابي. إلا إنه لم يختلف عموماً البيان المالي عن السنوات السابقة، لقد افتقدت الموازنة الحالية شأنها شأن الموازنات السابقة إلى عدم وجود الأهداف القطاعية والمؤشرات الكمية الاقتصادية والاجتماعية المستهدفة، فالموازنة العامة للدولة تتجاوز كونها مفهوماً محاسبياً «صرفاً» تبين الإيرادات والنفقات المستقبلية ومقدار العجز فقط، بل تتعداها لتطول المفهوم الاقتصادي والاجتماعي والأمني والسياسي، وبما أن البيان المالي لم يشر إلى أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية أو يذكرها بشكل واضح وصريح بل اكتفى بذكرها وتكرارها كعبارة وجملة تورد دائماً في البيانات المالية الحكومية، وهذا يضعنا أمام معضلة حقيقية تتمثل في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية وتقييمها وفقاً لتحقيقها الأهداف التي يجب أن تكون معلقة.
كما أن البيان المالي للحكومة لم يحدد معدل النمو الاقتصادي المستهدف أو معدل البطالة وما مستوى التضخم الواجب احتواؤه. كما اقتصر على الإشارة إلى اعتبار التضخم أحد أسباب زيادة الإيرادات والنفقات، رغم أن البيان أشار في صفحته الأولى أنه تم وضع مشروع الموازنة بالتوافق مع استراتيجيات العمل الحكومي وما جاء في بيانها الوزاري من أولويات واضحة للمرحلة المقبلة، إلا انه لم يشر إلى معدل النمو الاقتصادي المستهدف، وهل يمكن تحقيقه من خلال تخصيص اعتمادات استثمارية بنسبة 15 بالمئة فقط كاعتمادات استثمارية؟
وذكر التقرير أن البيان الحكومي أكد أنه سيتم العمل ما أمكن على تحسين مستوى معيشة المواطن لكن لم تلحظ اللجنة تحسناً ملحوظاً في مستوى معيشة المواطن بل على العكس زادت الأعباء المترتبة عليهم من خلال ارتفاع الأسعار ونقص في الخدمات المقدمة «غاز- مازوت- كهرباء.. الخ». دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومن خلال المناقشة لم تلحظ اللجنة أيضاَ وجود أي تشريعات خاصة تلبي حاجة هذه المشروعات سواء من ناحية التسهيلات المصرفية أو منح التراخيص المؤقتة أو في مجال تسويق أو حتى في مجال الضرائب.
وعن ترشيد المستوردات أوضح التقرير أن السلع الكمالية لا تزال منتشرة في الأسواق السورية بشكل كبير على حساب السلع الأساسية ولم تلحظ اللجنة الغاية المرجوة من قرارات ترشيد المستوردات التي صدر قرار بمنع استيرادها من وزارة الاقتصاد مثل: مفاتيح الكهرباء- ألواح الألمنيوم المدمجة- الكابلات- الزيوت والشحوم المعدنية للسيارات والآليات – وبعض المواد الغذائية كالتمور، على حين سمحت الحكومة باستيراد مواد لها مماثل محلي مثل الأقمشة المسنرة.
كذلك شدد البيان الحكومي على تأمين المستلزمات الأساسية للمواطن من أدوية وسلع تموينية وبأنسب الأسعار، أيضاً لم تلحظ اللجنة أي خطوات إيجابية في هذا الإطار حيث إن أسعار الأدوية والسلع التموينية ما زالت في ارتفاع مستمر، وعلى سبيل المثال ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن والسمون والزيوت بشكل كبير في الأسواق.
إضافة لذلك ركزت الحكومة في بيانها على معالجة وضع الشركات الخاسرة ولاحظت اللجنة وجود خطوات بطيئة ومتواضعة في هذا الإطار ما يستدعي الإسراع في إنجاز هذا الملف.
وفي تحليل العجز أشار البيان إلى أن العجز تجاوز 4 تريليونات ل.س أي ما نسبته 31 بالمئة من إجمالي الاعتمادات، إلا أنه يجب أن نأخذ هذه التقديرات ببعض التحفظ والشك، فإذا ما استثنينا 670 مليار ل.س (اعتمادات احتياطية للمشاريع الاستثمارية) وخفضنا حجم الاستثمار غير المنفذ ما يقارب 30 بالمئة أي ما يعادل 400 مليار ل.س وفقاً لنسبة التنفيذ للمشاريع الاستثمارية ووفقاً لتصريحات وزير المالية فإن نسبة التحصيل الضريبي تجاوزت 100 بالمئة، إضافة إلى قرارات تسعير مادة البنزين ورفع سعر المازوت والغاز والعديد من السلع بالأسعار الإدارية، سنجد أن حجم العجز أقل بكثير مما هو وارد في الموازنة، فضلاً عن أن نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي في السنوات 2018-2020 لم تصل إلى 9 بالمئة وبالتالي أرقام القطع في سنوات سابقة أظهرت نسباً صغيرة لا تكاد تذكر.
وقالت: هذا يستدعي قولنا بضرورة عدم اتباع التقشف في الإنفاق أو تقليصه بذريعة خطورة أرقام العجز، رغم المخاطر والآثار السلبية التي قد تنجم عن تحول العجز لأن يصبح اختلالاً هيكلياً، إلا أن السياسات المالية والاقتصادية التي تستهدف تخفيض العجز لا تقل خطورة عن العجز، وخاصة أن من يحمل تكلفة تخفيض العجز الفعلي هي الشرائح والفئات الاجتماعية الأفقر والأقل دخلاً، مع الإشارة إلى أن أهم مصادر تمويل العجز تكون عن طريق إصدار الأوراق المالية الحكومية والسندات المسحوبة من مصرف سورية المركزي.
وأشار التقرير إلى أن النفقات الإدارية في موازنة عام 2022 قدرت بمبلغ 1010.29 مليار ل.س وبزيادة بنسبة 94.35 بالمئة عن عام 2021. علماً أن الزيادة جاءت بسبب ارتفاع أسعار المواد المرتبطة بسعر الصرف ولاسيما الأدوية والمحروقات ونفقات النقل والانتقال والزيوت والشحوم. فعلى سبيل المثال ارتفع الإنفاق على وسائل النقل الحكومية (الخاصة وسيارات الخدمة) من مادتي البنزين والمازوت بحدود 53 مليار ل.س وبمعدل 151 بالمئة.
وحول ما يتعلق بسياسة الدعم أوضح التقرير أن الدعم الحكومي ظل بأشكاله المختلفة منذ سنوات طويلة سياسة محورية لتحقيق عدد من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية منها حماية محدودي الدخل وتوسيع فرص حصولهم على السلع والخدمات الأساسية والحد من تقلبات أسعار السلع الأساسية ودعم الإنتاج. واتسع نطاق السلع والخدمة التي يشملها الدعم الحكومي خلال السنوات الأخيرة وتسارعت وتيرة حجمه على خلفية الارتفاع المستمر في الأسعار وانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية، وفي ظل هذه التداعيات ظهرت الحاجة الماسة لإعادة النظر في الدعم الحكومي وترشيده إعادة هيكلته ليتم إيصاله إلى الفئات الأكثر حاجة. إلا أن اللجنة ترى أن يتركز الدعم على «الدعم الاستثماري» أي دعم المنتجات التي تحقق إيراداً مستقبلياً مثل دعم الإنتاج الصناعي والزراعي، دعم الفوائد على القروض الإنتاجية، دعم قروض الإسكان التي من شأنها تحقيق قمة مضافة على مستوى الاقتصاد الجزئي والكلي من جهة ومن جهة أخرى تخفيف العبء على الموازنة العامة، حيث أدى تزايد حجم الدعم في الموازنة العامة إلى مزاحمة الإنفاق العام الداعم للنمو بحيث أصبح ما ينفق على الدعم أكبر بكثير مما ينفق على التعليم والصحة.
كما أورد البيان المالي الوزاري أن دعم الطاقة الكهربائية ستتم معالجته وفق سلسلة التشابكات المالية مع الجهات العامة، وترى اللجنة أنه لن يتم حل هذه التشابكات لأنها قديمة من جهة ومن جهة أخرى مستمرة وهو ما أكدته النقاشات التي دارت خلال فترة انعقاد اللجنة، ولدى البحث عن أسباب الزيادة تبين أنها تعود إلى ارتفع العجز التمويني لعام 2022 عن عام 2021 بمقدار «1700» مليار ل.س بسبب ارتفاع سعر شراء القمح المسلم من الفلاحين إلى السورية للحبوب لعام 2022 إلى «1500000» ل.س للطن الواحد للقمح القاسي والطري بدلاً من «900000» ل.س لكل منهما في عام 2021، وارتفاع سعر الصرف من 1250 ل.س إلى 2500 ل.س ما انعكس على ارتفاع أسعار وسطي عقود القمح الطري الخبزي المستورد. مع ارتفاع أسعار المستلزمات السلعية والخدمية: «بنزين- مازوت- قطع غيار- مواد تعبئة- صيانة.. الخ.
أما فيما يتعلق بدعم المشتقات النفطية فلم يظهر البيان المالي الوزاري المقدم أي ارتفاع في مقدار هذا الدعم بل حافظ على قيمته البالغة 2700 مليار ل.س على الرغم من ارتفاع سعر الصرف للدولار بمقدار الضعف وارتفاع أسعار المستلزمات السلعية والخدمية لهذا القطاع.
في تحليل الإيرادات
ولاحظت اللجنة عدم وضوح في مصدر الإيرادات العامة، حيث إن جوهر النظام الضريبي أن تقوم الطبقة المقتدرة من الأغنياء ورجال الأعمال والمؤسسات والشركات بدفع الجزء الأكبر من الضرائب لكي تستخدمها الدولة في تمويل الإنفاق العام من أجل ضمان حسن توزيع الدخل ولجعله أكثر عدالة. على الرغم من أن الضرائب المباشرة تشكل مصدر الدخل الرئيسي للدول والأكثر تحقيقاً للعدالة الاجتماعية، غير أن البيان المالي الوزاري يظهر أن الضرائب والرسوم المباشرة تشكل فقط 10.36 بالمئة من إجمالي الإيرادات.
وعن التوصيات التي وجهتها اللجنة نجد أنه تم التأكيد على وزارة الصحة بالتوجه نحو إلزامية التأمين الصحي وهو ما يؤدي إلى توفر الخدمة من دون تحمل المواطن أعباء الاستشفاء المرتفعة.
ولوزارة الزراعة بزيادة الكمية المخصصة من مادة المحروقات الزراعية للمزارعين بما يتناسب مع المساحات المزروعة كونها من أساسيات مستلزمات الإنتاج. والأهم ضرورة الانتباه إلى حجم الثروة الحيوانية وخاصة الأبقار لأنها في حال انخفاض والعمل على إيجاد آليات لزيادة حجم هذه الثروة المهمة. مع تأمين الأعلاف للمربي الدواجن لما له من منعكس مهم على تخفيض أسعار الفروج والبيض.
وطالبت اللجنة لوزارة الاقتصاد إعادة هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وإعادة ارتباط بعض المؤسسات بوزارة الاقتصاد مثل المصارف والمؤسسة العامة للتبغ والمؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان.
وطالبت من وزارة الأشغال العامة والإسكان توزيع الأراضي للجمعيات السكنية بأسعار رمزية وهو ما يسهم في خفض قيمة العقارات.
كما أكدت على وزارة النفط الإسراع في توزيع المخصصات النفطية من مادة المازوت على المواطنين. والأهم إلغاء لجان المحروقات في المحافظات لأنها معرقلة لتنفيذ خطط الوزارة في توزيع المحروقات.
وفي مجال وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل شددت على أهمية إشراك المتقاعدين بالتأمين الصحي. وطالبت وزارة المالية إيلاء العناية اللازمة عند إعداد جداول اعتمادات المشاريع الاستثمارية حيث ورد في أكثر من مكان أن الموازنة المطلوبة للمشروع في السنة الواحدة هي أكبر من التكلفة التقديرية الإجمالية للمشروع كاملاً.
وفي مجال وزارة الصناعة أوصت بالإسراع بتأهيل الشركات والمعامل وإدخالها بالإنتاج لكونها رافداً أساسياً للاقتصاد الوطني من خلال الموازنة الاستثمارية أو عن طريق التشاركية.
أما مجال وزارة الإعلام فقد ركزت اللجنة على ضرورة إخراج العاملين في الإعلام من قانون العاملين الأساسي في الدولة وإحداث نظام خاص بهم يتناسب مع طبيعة العمل الموكل إليهم والعمل على زيادة التعويضات الخاصة بالإعلاميين والإسراع بإصدار قانون الإعلام لكونه يحقق الفائدة ويبسط الإجراءات المتعلقة بعمل وزارة الإعلام.