أقصوصة رمزية أبدعتها مفكرة مصرية: كان هناك كوكبٌ. وحدث أن وُجِد رجلان اثنان على هذا الكوكب. فكان من الطبيعي أن يتقاسم الرجلان كلَّ خيرات الكوكب بالتساوي، دون أن يجور واحدٌ على حق أخيه. أما لو تغـلّب الأقوى منهما على الضعيف وانتزع حقَّه، فسنكون أمام ظاهرة همجية تعتمد مبدأ: «البقاء للأقوى».
فإن كان على ذاك الكوكب بشريان، أحدهما صحيحُ البدن مفتول العضلات، والآخر سقيمٌ أو كسيح أو أعمى أو أصمّ، هنا نقف أمام مبدأين علينا الاختيار بينهما: ١- العدلُ الأعمى والمساواة بليدة القلب، وتقضي بأن يتساوى الاثنان في الحقوق والواجبات دون النظر إلى قوة الأول وضعـف الثاني. ٢- العـدل الواعي والمساواة المثقفة.
وتقضي بأن يحتوي القوي السقيمَ ويحميه من جبروت الطبيعة وشراسة الضواري، دون أن يجور على حقه في الثمر وطيبات الأرض.
فإن حدث وكان أحدهما أخضرَ اللون، وكان الثاني أزرق البشرة.
هل يجور لونُ الإنسان على حقوقه أو واجباته؟!، مبدأ الحق والخير والجمال يقول: «لا دخل للون المواطن في حقوقه وواجباته»، فإن حدث أن اختار أحدهما أن يقدّس الشمسَ، واختار زميلُه أن يقدّس القمرَ، فهل يقتتلان من أجل هذا؟ هل يطمعُ أحدهما أن يقتصَّ من حقوق أخيه لاختلاف الفكرة والرؤية، أم يخلو كلٌّ إلى قدسه في خلوته، ثم يخرج إلى صاحبه يصافحه ويتشارك معه الحياة بسلام وتوادّ؟.
ثمّ حدث وظهر فوق هذا الكوكب رجلٌ ثالث. فاتفق الرجلان أن يُعاد تقسيم الأرض والثمر والطيبات على ثلاثة أنفس بدلاً من
اثنتين، وفق مبدأ العـدل الجميل الذي أقرّاه منذ البدء.
كان الرجل الثالث لطيفاً مسالماً، ومرّت الأيام بهدوء؛ حتى قرر هذا الثالث أن يزرع بين الصديقين فتنة، ليستلب خيرات الكوكب. فراح يوغـرُ صدرَ أحدهما ضدَّ الآخر ويوهمه أن له حقوقاً تفوق حقوق صاحبه نتيجة اختلاف اللون أو المعـتقد. ماذا يحدث آنذاك؟
يحصل الاقتتال والحروب ويختلّ التوازن ويخسر الجميعُ.
ثم يحدث أن يظهر شخصٌ طيب ينادي بمبادئ الجمال والعـدالة والخير والمساواة. ويحبّه غـالب الناس، لأنه يكرّس في الأرض الفطرةَ الإنسانية السليمة. ويمقته بعضُ الناس لأن لهم مآربَ ومصالحَ في إشعال الفتن بين الناس لأغراض بنفوسهم.
في المجتمعات المتحضرة يُحمَل على الأعناق ذلك الشخصُ الطيب المنادي بمبادئ الإنسانية، ويوضع الشرير رقم ثلاثة وراء القضبان حتى تتطهر روحُه من دنايا العنصرية والطائفية. وفى المجتمعات الظلامية يُحمل الثالثُ الشرير فوق الأعـناق، ويُقتلُ الرجل الطيب الذى نادى بمبادئ الإنسانية والمساواة والحق والخير.
تنصُّ كافة الدساتير على: «المواطنون لدى القانون سواء»، لا تمييز بينهم؛ والحضُّ على الكراهية جريمة يعاقبُ عليها القانون.
القوانين لجميع الدول تنصُّ على المساواة؛ فطبيعةُ الإنسان معقدة، ويحدثُ أن ينسى الناسُ طبيعةَ الأشياء، نتيجة عوامل كثيرة، مثل سيطرة تيار فاشي يسيطر على عقول البسطاء، أو تعارضُ مصالح بعض الطوائف مع البديهيات الأولية التي استقرّ عليها العالم منذ بدء الخليقة وفجر التاريخ، وهي من طبائع الأمور التي تنادي بالعدالة بالحقوق والواجبات. هنا يضطر حكماءُ ذلك المجتمع أن يُذكّروا الناسَ بتلك البديهيات، فيكتبون قواعدَ نبيلةً يسير عليها الناس، وينصّ عليها دستور، إننا نفعـل ذلك لأن الناس تنسى بسرعـة!.
السؤالُ هنا: الرجلُ الثالثُ الشرير الذي ينادي بالظلم والعنصرية والتفرقة بين الناس على أساس العـقائد، كيف يُسمح له بأن يُلاحقَ الرجلَ الطيبَ الذي ينادي بحقوق المواطَنة في الوطن والعـدل بين الناس على اختلاف مذاهبهم؟..