لوحظ مؤخراً أن الشائعات تُلاحق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتراوحت هذه الشائعات بين العجز والقول إنه فارق الحياة، وترافق ذلك مع انهيار الليرة التركية.
وفي هذا الجو يبرز العديد من مؤشرات ذات دلالات عدة تشير بوضوح إلى ضعف نظام رجب أردوغان إن لم نقل بداية النهاية لنظام استبدادي استمر ما يقارب عقدين من الزمن.
إن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، وثمة علاقة لا يمكن تجاهلها في قراءة واقع تراجع قيمة العملة التركية، وارتباطها بالأداء السياسي الداخلي والخارجي لنظام أردوغان، المحاصر إقليمياً بتلاقيات مصرية قبرصية يونانية في ملف النفط والغاز شرق المتوسط، وتورطه في سورية والعراق وليبيا، والمحاصر دولياً بانكفاءة أميركية تبدو آخذة بالاتساع ربما تصل إلى سحب الغطاء الذي ساعد نظام أردوغان للبقاء عشرين عاماً، ناهيك عن وضع اقتصادي متدهور بالإضافة لتزايد قوة المعارضة الداخلية.
استطلاعات الرأي تشير إلى أن 67 بالمئة غير راضين عن الوضع الحالي، ويعتقد 32 بالمئة أن الحالة الاقتصادية ستزداد سوءاً خلال الأشهر المقبلة.
ويرى 62 بالمئة من الشبّان أن الذي أدى إلى ضرب الديمقراطية واهتراء المؤسّسات الدستورية والأزمة الاقتصادية، هو نظام الشخص الواحد الذي ألحق ضرراً بالغاً بالبلاد.
على الصعيد الخارجي يتعرض أردوغان لامتحان عسير، للخروج من المستنقع التوسعي العثماني الذي أقحمت الأردوغانية نفسها به في شهر تشرين الأول الماضي حين أصدرت عشر دول أوروبية، إضافة للولايات المتحدة، بياناً مشتركاً طالبت فيه أنقرة بتطبيق قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وإطلاق سراح رجل الأعمال التركي عثمان كافالا، وفي اليوم التالي استدعت وزارة الخارجية التركية سفراء تلك الدول لديها للاحتجاج، وهذا الرد يشير إلى حالة الإرباك والانفعال الذي تحدث عنه أحمد داوود أوغلو، وزير خارجية أردوغان السابق والمعارض حاليا، قائلاً: لقد استبدلت الدولة عمقها بخطاب الأزقة.
تركيا في خلاف حقيقي مع دول الاتحاد الأوروبي، ومع الولايات المتحدة لدرجة أنهما كانا على وشك التصادم عسكرياً في شرق شمال سورية، وأدت تلك السياسة إلى عزلة تركيا، وإلى هز الاقتصاد التركي، وقد أثار تمرير المذكّرة في البرلمان مؤخراً حول إرسال الجنود إلى سورية والعراق لمدّة سنتَين، موجة من الاستياء لدى المعارضة.
«حزب الشعب الجمهوري»، الذي عارض للمرّة الأولى إرسال الجنود إلى الخارج، اعتبر زعيمه، كمال كيليتشدار أوغلو، المذكّرة «خيانةً للوطن»، فضلاً عن أنها تعرّض أرواح الجنود الأتراك للموت المجّاني في قضية تخدم شخصاً وطموحاته الرئاسية، وليس القضية الوطنية.
ومع توسّع النقاش حول سياسات تركيا في كلّ من سورية والعراق، يقول أورخان بورصه لي، في صحيفة «جمهورييت»، إن حماية أمن تركيا لا يتمّ إلا من خلال العمل مع الحكومة المركزية في دمشق، عندما يبدأ الجيش السوري، وليس القوات الكردية، بضمان الأمن على الحدود، تبدأ الأمور بالعودة إلى طبيعتها. ويضيف بورصه لي: إن «الطريق الوحيد لمنع إقامة دويلة كردية في شمال سورية، هو التعاون مع الحكومة السورية وتقويتها وليس إضعافها.
انهارت العملة التركية لمستوى 12 ليرة مقابل الدولار عقب حديث أردوغان عن «حرب الاستقلال». في حين حملت المعارضة أردوغان مسؤولية ما تمر به البلاد وعن انهيار عملتها.
تعمقت خسائر الليرة بشكل حاد، لتنحدر إلى أدنى مستوى في تاريخها، عقب كلمة لرئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي، حليف أردوغان، لتهبط إلى مستوى 12.46 ليرة للدولار، وهو سعر غير مسبوق، عملياً الليرة التركية فقدت أكثر من 60 في المئة من قيمتها منذ بداية العام.
بالمقابل انضمت فاتورة سداد ديون تركيا الضخمة إلى قائمة مخاطر تواجهها الليرة التي تتراجع، ويتعين على الشركات والحكومة التركية سداد ديون خارجية بقيمة 13 مليار دولار في الشهرين الأخيرين من العام، حسب بيانات رسمية. يستحق منها 8 مليارات دولار في تشرين الثاني الحالي، ويتسبب ذلك برفع الطلب على العملة الأجنبية، ويزيد الضغوط على الليرة.
رئيس حزب «الديمقراطية والتقدم»، نائب رئيس الوزراء الأسبق للشؤون الاقتصادية علي باباجان قال: إن حكومة أردوغان أفسدت وأساءت للمفاهيم الوطنية في البلاد. وتابع: إن تركيا كلها تعاني من الشعور بالإرهاق وتعيش حالة من الكساد، ولا أحد في البلاد متأكد من توفير قوت يومه لليوم التالي بسبب ارتفاع الأسعار.
أدى انخفاض قيمة الليرة التركية إلى رفع معدل التضخم ليقترب من سقف 20 بالمئة، وزادت الأعباء المعيشية على المواطنين، وهذا ما أكدته رئيسة حزب الخير ميرال أكشنار بقولها: أردوغان قضى على أموالنا وسمعتنا، وأضافت: «إذا كان يفعل هذا عن قصد فهذه خيانة صارخة. وإذا كان هذا الانهيار ناتجاً عن الافتقار إلى الكفاءة، فيجب وقف هذا العار عن طريق التوجه إلى صناديق الاقتراع في أقرب وقت ممكن.
نائب إسطنبول عن «حزب الشعب الجمهوري»، آيقوت أردوغدو، تمنّى أن «يذهب أردوغان إلى الانتخابات وهو في صحّة جيدة ومعافىً ويتحاسب من الشعب».
على ضوء الواقع الذي عرضنا بعضه، يبدو أن المؤشرات الداخلية والخارجية تدل على ضعف نظام أردوغان وبدابة نهاية مشروع الأردوغانية العثمانية.