من دفتر الوطن

الأكاذيب غير النبيلة

| عبد الفتاح العوض

نحن ضحايا الأكاذيب غير النبيلة.. تلك المفعمة بالسواد.. الأكاذيب التي قيلت لنا بسوء نية وصدقناها بحسن نية.

نقاش قديم جداً فيما إذا كان من حق المسؤول أن يكذب أم لا؟!

انقسم المفكرون حول ذلك قلة منهم من رأى أنه لا يجوز أبداً. وقسم آخر كثير رأى أنه مسموح للمسؤول أن يكذب لكن عندما يحتاج إلى ذلك.

ربما سيكون مفاجئاً أن أشهر الذين يعتبرون أن الكذب مسموح به للمسؤولين هو أفلاطون، وقد أطلق على ذلك اسماً لافتاً وهو «الأكاذيب النبيلة».

ما قاله أفلاطون (قد يضطر «الأوصياء» إلى الكذب من أجل نفع المحكومين وهذا النوع من الكذب نافع بوصفه دواء).

فكرة الكذب النبيل لها علاقة بالغاية من الكذب والنقطة الأكثر أهمية هو من الذي يكذب.

لا تنسوا أننا نتحدث عن «أفلاطون»… هو يقول «إذا تبين أن هناك من يكذب من الصناع فإنه يجب أن تتم معاقبته». الصناع هنا هم أهل الحرف والزراعة.

بعبارة أخرى كذب المسؤول دواء.. في حين كذب المواطن فساد!! فساد فقط عندما يكون على الحكومة أما بين الناس فهو شائع وإن كان مذموماً.

– تخيلوا أن الأفلاطونية والميكيافيلية يلتقيان معاً بهذا الموقف إذ إن ميكافيلي اعتبر أن الغايات النبيلة تغفر للأمير أفعال الكذب وصور الخداع.

في مسرحية الأيدي القذرة لسارتر يقول هودرو، «سوف أكذب كلما اقتضى الأمر ذلك».

الجانب المعاكس الذي لا يرى أي مبرر للكذب ليس موجوداً في عالمنا حالياً.

هذا يعود إلى أن «أوغسطين» الذي رفض تبرير الكذب على نحو قاطع وبغض النظر عن الدوافع أو النيات الطيبة.

هو الذي قال: «الكذب خطيئة أكبر وأسوأ من أي ضرر قد ينجم عن قول الحقيقة».

الشيء الذي يمكن أن تحد فيه مرونة عن أوغسطين أقول «الأب أوغسطين» أن هناك أكاذيب لا تغتفر أبداً وهي أكاذيب العقيدة وهناك أكاذيب قابلة للغفران.

مسألة شرعنة الكذب مسألة فيها كثير من النظر.. نحن نسميها الأكاذيب البيضاء.. بل لا تكون أحياناً الكذبة مشروعة بل واجبة عندما يتعلق الأمر بكذبة تحمي الآخرين من خطر.. ولا يجوز أن تقول الحقيقة عندما تؤذي أحداً.

– علماء النفس يقولون إن هناك 30 نوعاً من الأكاذيب ولديهم طرق خاصة لكشف الكذابين منها ما له علاقة بلغة الجسد ومنها ما له علاقة باستخدام التحليل اللغوي لكن الشيء الذي لا يستطيع لا ميكافيلي ولا أوغسطين ولا حتى كل علماء النفس أن يفهموه كيف يمكن لمسؤول أن يكذب ويعرف أن كذبته ستنكشف قريباً.

الأسوأ من ذلك أن الكذب سابقاً أن تحجب حقيقة.. الآن الكذب هو خلق حقيقة أخرى، وجعل الكذبة هي الحقيقة!!

الأسوأ من أسوأ كل ذلك عندما يكون الكذب على الذات، أظن هنا لا حل أبداً.. في تلك اللحظة عندما يبدأ الكاذبون بتصديق أنفسهم.

أقوال:

الأيام أفضل جهاز لكشف الكذب.

آفة العلم النسيان، وآفة النسيان الكذب.

الذين يعتقدون أن الكذب الأبيض لا ضرر منه يصابون قريباً بعمى الألوان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن