كانت الكويت منذ استقلالها إحدى أكثر شقيقاتها الست الباقيات الباحثات عن استقلالية ترمي من خلالها للخروج من تحت «العباءة» السعودية التي كانت تسعى إلى جعل مجلس التعاون الخليجي «عزوتها» التي تستند إليها في مواجهة جامعة عربية كانت في كثير من الأحيان لا تنسجم معها في العديد من مواقفها تجاه العديد من القضايا، وهي، أي الكويت، كانت على مدار كل تلك المرحلة تجد نفسها في حالة تنافسية مع سلطنة عمان الباحثة هي الأخرى عن نمط من السياسة الخارجية لا يقل سعياً عن تحقيق نجاح في الخروج من تحت العباءة السعودية آنفة الذكر.
لم يكن ذلك المسار في كثير من مراحله يسير تماماً وفق الغايات المرجوة منه بفعل عوامل معوقة عديدة كانت تعترضه إبان العديد من الاختناقات التي يمر بها، والخارجة عن السيطرة في كثير من الأحيان، وهي، أي تلك المعوقات، كانت غالباً ما تدفع بصانع القرار السياسي الكويتي إلى إيجاد تقاربات مع الرياض لتمرير استحقاقات داخلية من نوع الانتخابات مثلاً أو محاولات إيجاد ترتيبات للبيت الداخلي الكويتي الذي كثرت اضطراباته على وقع الأحداث الحاصلة في المنطقة عموماً.
حكم الأمير الراحل صباح الأحمد الكويت لمدة طويلة وصلت إلى أربعة عشر عاماً عبر توازن داخلي قام على تحالف الأسرة الحاكمة مع الحضر ثم مع بعض القبائل التي أظهرت ميلاً نحو موالاة حكم آل الصباح، مع الإشارة إلى أن الثقل الوازن في المعارضة الكويتية كان يتمركز في القبائل الباقية التي لم تكن تظهر ذلك الميل، حيث ستشهد الانتخابات الأخيرة التي جرت في البلاد حدثاً مهماً كان ذي دلالات من النوع الذي يستجلب القلق، فقد استطاعت تلك القبائل عبر تلك الانتخابات إيصال نائب لها كان قد حقق نسبة من الأصوات هي الأعلى في تاريخ الانتخابات الكويتية، وبعد رحيل صباح الأحمد قبيل ما يزيد على أربعة عشر شهراً، حاول خليفته نواف أن يمسك عصا السياسات الداخلية، وكذا الخارجية، من منتصفها انطلاقاً من ثالوث التوازنات الذي أدار به سلفه البلاد على امتداد فترة حكمه، لكن صحة الأمير لم تساعده كما يبدو على الإمساك بقوة على ناصية وضع داخلي بدا وكأن تطوراته تتنبأ بحدوث اضطراب سياسي على وقع ضعف القبضة الممسكة بالقــرار، ففي خلال العام الذي قضاه الأمير نواف في حكم البلاد كان كثيــراً ما يقوم بنقل العديد من صلاحياته إلى ولي عهده الشيخ مشعل قبيل أن يغادر البلاد إلى الولايات المتحدة أو ألمانيا طلباً للعلاج، الأمر الذي أشاع العديد من المخاوف التي راحت المعارضة لاستغلالها بغرض تحقيق مكاسب على حساب اضطراب عصا السلطة، الأمر الذي فرض على ولي العهد القيام بتدابير تهدف إلى ترميم استباقي للبيت الداخلي قبيل أن تصل أوضاعه إلى مآلات لا ينفع معها فعل الترميم فحسب، وهو من خلالها، أي من خلال تلك التدابير، بدا مدركاً أن من المستحيل عليه تطويق الحراك المعارض عبر الضغط على قيادات المعارضة بهدف تهجيرها، أو عبر تغليب فعل القبضة الأمنية عبر إفساح المجال أمامها للإتيان بالمئات، إن لم يكن الآلاف، إلى المحاكم بتهم تتراوح ما بين إشاعة الفوضى والتآمر على أمن الدولة.
في غضون سعي ولي العهد لترتيب أدوات السلطة بالدرجة الأولى، وللبيت الداخلي عموماً، تحسباً لغياب محتمل لأمير البلاد، كانت الخطوة الأولى، والأهم، في ذلك السعي هي نحو تعيين ناصر المحمد الصباح، الذي سبق له أن شغل منصب رئيس الوزراء، في منصب ولي للعهد، والسعي عينه بدا وكأنه يمثل خطوة استفزازية للرياض، حيث تشير تقارير أن المرشح لذلك المنصب كثيراً ما كان يبدي آراء لا تستسيغها هذي الأخيرة، وفي الذروة منها أن الكويت لا تستطيع البقاء تحت سقف بناء سياساتها على قاعدة «رد الجميل» للسعودية التي استضافت الأسرة الحاكمة الكويتية على أراضيها في أعقاب غزو نظام صدام حسين للكويت آب من العام 1990، وكذا «استضافتها» لقوات التحالف الدولي الذي قاد معركة تحريــر الكويت بعد أشهر من هذا التاريخ الأخير.
هذا المسعى، الذي نقصد به هنا تعيين ناصر الصباح في منصب ولي العهد، إذا ما أريد له أن يمر بهدوء يستدعي تقارباً مع الرياض بدرجة تفوق الحالات التي استدعتها الاختناقات السابقة، الأمر الذي يبدو الأمير مشعل مدركاً له بدرجة كبيرة وهو ما يفسر الموقف الكويتي الأخير المتمثل بالإجراءات الكويتية المتخذة تجاه لبنان في أعقاب الأزمة التي اندلعت بين الرياض والحكومة اللبنانية على خلفية التصريح الشهير لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي الذي وصف فيه الحرب في اليمن بـ«العبثية» على الرغم من أن التصريح كان سابقاً لوجود قرداحي في منصبه، فالإجراءات الكويتية سابقة الذكر كانت تتجاوز في طبيعتها نظيرتها السعودية، ما يجعلها تبدو في سياق «دفعة على الحساب» لتمرير تعيين ولي عهد جديد للبلاد يبدو أن تعيينه يحتاج إلى مزيد من الدفوعات الأخرى لتمريره.