أفتخِر حُكماً بانتمائي العروبي، لكن هذا الانتماء ليس على طريقةِ الأحزاب التي تتبنى العروبة، أو الطريقة التي تنزِّه هذه العروبة عن السلبيات ما يمنَع انتقادها، هي بالنسبةِ لي شعور بالانتماء أكثر ما هي لغة أو هوية أو وثائق وشعارات. حديث العروبةِ هذا بسلبياتهِ وإيجابياتهِ عادَ إلى مخيلتي قبل أمس بعدَ أن ظنناه قد اندثر، تحديداً بعدَما شاهدت حفلَ الافتتاح الأسطوري لبطولةِ كأس العرب لكرة القدم في الدوحة.
حاول القائمون على الحفل أن تكون رسالتهم هي استعادة الدفء العربي، ليمرَّ من أمامنا شريط ذكرياتٍ ليسَ من السهلِ أن تمحى قبل لوثةِ ربيع الدم العربي. يومَ كانت أقصى اهتماماتنا السياسية هي القمة العربية، وأقصى همومنا كيفَ سنقضي سهرةَ الخميس القادم ومع من؟ كان لافتاً هذا المزيج الموسيقي الذي أنجز نشيداً عربياً موحَّداً بحرفيةٍ كبيرة، تفاصيل جعلتنا ننسى الكثير لنتساءل:
على ماذا يختلف أبناء هذا الأمة؟
أما ما يتعلق بنا كسوريين، فقَد كانَ لافتاً بأن الحفل شهِد عزفَ النشيد العربي السوري في العاصمةِ التي كانت رأسَ حربة في السعي لتدمير بلدنا، فكيفَ ورفع العلم قد امتزج مع عبارات «حماةَ الديارِ عليكم سلام»؟! وهل من تحيةٍ أقدس من تلك التي تتعمد بطهر رجال اللـه على الأرض؟!
البعض نظرَ بتسخيفٍ لهذا الأمر بالقول: ألهذا الحد تقزَّمت أحلامنا؟
لكن الحقيقة دائماً ما تكون ناقصة إن اجتزأناها وبمعنى آخر: أنت من أجبرتهم على رفع العلم، ولندرك وقعَ الحدث علينا فقط أن نتابع محاولَة البعض من حاملي الجنسية السورية بمسمى «إعلاميين وفنانين» بكل ما أوتوا من قوة لتقزيمه، أو الهروب من التعليق عليه وكأن على رؤوسهم الطير، كيف لا وهم كانوا ولا يزالون مجردَ مرتزقة وأبواق حوّلوا وطنهم إلى مجرد شيك مصرفي!
بذاتِ الوقت، وبما يتعلق بنا كسوريين أيضاً فإن هذا الإتقان في العمل بمعزلٍ عن البلد المستضيف، ألا يحرك فينا شيئاً ما؟ حفل الافتتاح عادَ بي إلى سنواتي العشر الأولى عندما تم افتتاح دورة المتوسط في لاذقيةِ العرب، وما أبدعته الأيادي السورية يومها من إنجازٍ لن يمحى، هل إن الزمن توقف عندها؟
في الخلاصة يبدو الجواب متشعباً على جميع الصعد قد نختصرها بتلك القصة:
في إحدى مباريات كأس العالم التي استضافتها الولايات المتحدة في عام 1994 كُسرت إحدى العوارض الجانبية للمرمى، رفض الحكم وكان وقتها حكمنا السوري جمال الشريف استكمال المباراة حتى يتم استبدال المرمى، فعلياً تم استبداله أمام الكاميرات بزمن قياسي، يومها سُئلَ مسؤول رياضي سوري هل نمتلك في ملاعبنا هكذا تقنية؟
كان جوابه، عندما نفكر باستضافة كأس العالم.. سنفكر بهكذا تقنيات!
هذا الجواب يصلح لتوصيفِ حالنا في كل المجالات من دون استثناء، كبرَ الأطفال الذين أبدعوا في حفل المتوسط، بعضهن أصبحن جداتٍ يحكينَ لأحفادهنَّ عن ذاكَ الحدث، بينما لايزال الزمن متوقفاً عند إمكانيةِ تفكيرنا باستضافة حدث لنفكرَ باقتناءِ أدواته، ونعزي أنفسنا بإنجاز رفع العلم ونهرب من إنجازات الآخرين الرياضية عبر ربطهِا بالسياسة.. طيب حتى لو كانوا أعداءَ لنا في السياسة ألا يجب علينا أن نمتلك دافع الغيرة الإيجابية؟! ربما!