تسعى أوروبا وإيران في فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي «5+1» لأن أوروبا بحاجة للنفط الإيراني وللسوق الإيراني. المندوب الأميركي يتابع في غرفة جانبية من دون أن يشارك في المفاوضات التي أصبحت من دونه «4+1». الأميركيون غير مهتمين بالتوصل إلى لغة مشتركة مع إيران إلا أن الضغط الأوروبي على واشنطن يتصاعد.
لنتذكر أنه عندما وقّع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الاتفاق عام 2015 ألقى خطابين مهمين في الكونغرس وجامعة واشنطن اعترف فيهما أن توقيع أميركا لم يأتِ عن قناعة إنما جاء تحت ضغط أوروبي خوفاً من أن تصبح أميركا منعزلة، لأن أوروبا مصرة على التوقيع، مدعومة بالموقفين الصيني والروسي في المفاوضات.
أميركا لا تستطيع العيش من دون وجود عدو. ذلك لأن الصراع جوهر السياسة الأميركية، ولا يقوم الصراع من دون وجود أعداء. من جهة ثانية لا يمكن تقوية الناتو والسيطرة على الحلفاء تحت سقف مشترك إن لم تخفهم واشنطن بالأعداء.
لم يكن الأستابلشمنت الأميركي سعيداً بانهيار الاتحاد السوفييتي ومعسكره، فبغض النظر عن صيحات السعادة إعلامياً بسبب ما أسموه «الانتصار التاريخي للديمقراطية»، كانت واشنطن تستخدم وجود العدو السوفييتي ذريعة لاستعباد أوروبا و«حمايتها من الغول الإيديولوجي».
وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر لم يخفِ هذا التوجه عندما كان وزيراً في السبعينيات. عقد كيسنجر عندها اجتماعاً في السفارة الأميركية في باريس حضره جميع السفراء الأميركيين في عواصم المعسكر الاشتراكي «حلف وارسو»، وطلب إليهم ألا يشجعوا أي تحركات شعبية للقضاء على «العالم الشيوعي» لأن هذا العالم هو «العدو المفيد».
كان هذا ضرورياً كي تستطيع أميركا قمع أي «تمرد شعبي» في معسكرها الأوروبي بذريعة وجود العدو المشترك. أكبر دليل على هذا التوجه هو ما قام به كيسنجر بداية السبعينيات عندما شعر بأن الحزب الشيوعي الإيطالي سوف ينجح في الانتخابات البرلمانية الإيطالية. جاء «العزيز هنري» إلى إيطاليا مهدداً بأن دبابات الناتو ستحتل روما إذا نجح الشيوعيون، تماماً كما فعلت دبابات وارسو السوفييتية باحتلال براغ عام 1982 عندما نجح الإصلاحيون في السيطرة على الحكم في تشيكوسلوفاكيا، وقد أعادت دبابات وارسو السلطة إلى الموالين لحلف وارسو.
حاول الإيطاليون بعد ذلك إيجاد حل وسط يرضي الشعب ولا يغضب الأميركيين فاستطاع زعيم الحزب الديمقراطي ألدو مورو توقيع اتفاق مع الشيوعيين كحل وسط أسموه الحل الوسط التاريخي «Historical Complo mise»، لم يقبل الأميركيون بذلك فكان أن اغتال الإرهابيون ألدو مورو وسقط الاتفاق وعادت إيطاليا إلى حظيرة الناتو، مجموعة «الألوية الحمراء» هي التي قتلت مورو رافعة شعارات ثورية، لكن تبين أنها مجرد ذراع للمخابرات المركزية الأميركية.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي اخترع الأميركيون «الإسلاموفوبيا» عدواً، ثم إيران والصين وروسيا وفنزويلا وسورية… المهم أن يكون هناك عدو لأن العالم الذي يسوده السلام والتعاون وينتفي فيه العداء لا يناسب مصالح الطغمة الاقتصادية والسياسة الحاكمة في واشنطن.