يلاحظ الجميع أن الرئيس التركي رجب أردوغان يحاول منذ أسابيع قليلة تعديل سياسة العداء التي وجهها لبعض الدول العربية على خلفية تبنيه للإخوان المسلمين العرب في المنطقة والتعويل عليهم لخدمة مصالحه العثمانية القديمة – الجديدة، بعد الدعم الذي قدمه لكل المجموعات الإسلاموية المسلحة ضد سورية وإرسال وحداته العسكرية إلى داخل الأراضي السورية لحمايتها واستغلالها، فبعد انتصار سورية على كل هذه المجموعات وفرض العزلة والحصار على بقاياها قرب حدود تركيا وجد أردوغان أن كل السياسات التي تبناها لتحقيق أهدافه، لم يعد لها جدوى، بل إنها فرضت على وضعه الداخلي والخارجي مضاعفات سياسية واقتصادية وعزلة خارجية، وهذا ما يؤكده ستيفين كوك في مجلة «فورين بوليسي» وهو الكاتب السياسي والمؤلف لعدد من الكتب حول الشرق الأوسط وتركيا منها «الفجر الزائف» عام 2017 عن إخفاق أردوغان، وكتاب «الصراع على مصر» عام 2011، وكتاب «العلاقات الأميركية التركية -شراكة جديدة» عام 2012.
يقول كوك في تحليله بعنوان: «أردوغان وأصعب متاعبه» في 24 تشرين الثاني الماضي: إن «أردوغان شهد في الأشهر الماضية أسوأ وضع خلقه لتركيا فهي معزولة وتزداد أزمتها الاقتصادية تدهوراً إلى جانب تدهور صحته وتناقص شعبية حزبه إلى أدنى المستويات» ويتوقع كوك أن تؤدي هذه المضاعفات إلى انشقاق في حزبه الحاكم.
وفي واقع الأمر إذا قارنا ما طرحه أردوغان من أهداف أراد تحقيقها منذ عام 2011 ضد أطراف كثيرة وفي مقدمها سورية، بالوضع الراهن التركي سنجد أنه هُزم أمام سورية والعراق وإيران، وأمام مصر حين تبنى حكم الإخوان فيها، وهزم حين تدخل في ليبيا، ولم يحقق أي مصلحة ذات أهمية من تدخله ضد أرمينيا، وأصبح محاطاً بجوار من الدول التي هزمته، أما في الداخل التركي فقد تراكمت أزماته الاقتصادية من دون أي حلول في الأفق وكان قرار بريطانيا ضد حركة حماس باتهامها بالإرهاب ليس موجهاً للمقاومة الفلسطينية بمجملها فقط بل موجه لأردوغان أيضاً لأن دولته عضو في حلف الأطلسي وتريد بريطانيا استخدامه للضغط على حركة حماس وفرض التزامه بسياسة أطلسية تندد بكل من يقاوم إسرائيل واحتلال ها، ولذلك جاء توقيت إعلانه عن الرغبة بتعزيز العلاقات مع إسرائيل كمقدمة لانتهاج سياسة أردوغانية جديدة تجاه حماس وليس تجاه كل تيارات وأجنحة الإخوان المسلمين، لأن أحداً لا ينسى أن بريطانيا هي التي كانت تتبنى حركة الإخوان المسلمين منذ عام 1928 وتستقبل قادتها العرب وخاصة المصريين في عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
يبدو أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة طالبا أردوغان بالسير في طريق استعادة حرارة علاقاته مع الإمارات وإسرائيل ومصر وقريباً ربما مع السعودية، ليكون منسجماً في سياسته من ناحية تكتيكية وإستراتيجية مع سياسة الدول الصديقة والحليفة للولايات المتحدة في المنطقة وهو في النهاية لا تهمه كثيراً حركة الإخوان المسلمين إذا ما خفض درجة الاهتمام بها بما لا يلحق الضرر بمصالحه بعد أن ثبت له أنه لا جدوى في هذه الظروف من استغلالها، وبعد أن تخلت دول عربية عديدة عن تبنيها باستثناء قطر التي ستجد نفسها مضطرة هي الأخرى للسير في طريق أردوغان، أما حماس فستحافظ على بقائها بفضل المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي والتمسك بالثوابت الفلسطينية إلى جانب الفصائل الفلسطينية وليس بفضل حركة الإخوان المسلمين أو أردوغان وقطر.
لا شك أن هذه النتائج ستفرض معها تغيرات محتملة وقريبة على مستقبل بقايا المجموعات الإسلاموية المسلحة المدعومة من أردوغان بعد توقف أي دعم قطري مالي أو أردوغاني عنها وخاصة أن الجيش العربي السوري وحلفاءه في تلك المنطقة يطبقون الحصار على هذه المجموعات وهم قادرون على تصفية وجودها في الميدان ما لم تستسلم وتنهِ وجودها في كل تلك المنطقة الحدودية مع تركيا، فهذه الحدود السورية التركية لا بد أن تعود عاجلاً أو آجلاً إلى وضعها الذي يؤكد السيادة السورية على طول امتداده.
يتوقع كوك أن يتراجع أردوغان عن أهداف سياسية تبناها وأصبحت تفرض عليه الآن ثمناً باهظاً ليس اقتصادياً فحسب، بل سياسياً بشكل خاص، وبالمقابل لا أحد يشك أن كل ضعف يصيب السياسة الخارجية التركية المعادية للجوار وحلفائه سيشكل فرصة روسية وإيرانية لزيادة الضغوط على أردوغان ومحاصرته في زاوية لن يكون بمقدوره الخروج منها إلا حين يوقف دعمه للمجموعات الإرهابية في إدلب وغيرها وحين يدفع ثمن هزيمته بسحب وحداته العسكرية من الأراضي السورية.