مجتمع صغير، فيه من جميع الثقافات العربية خصوصاً، وهناك بعض من العاملين الأجانب، هذا المجتمع يعوم فوق عدّة بحار، ومعه هموم ومشاكل تعوم لتلاقي لربما حلاً ما.
باخرة «السنونو» هي المقصودة أعلاه، وبالفعل ركابها من طبقة اجتماعية معينة، ومن مختلف الثقافات والأوطان وذوي مستوى مادي عالٍ، وهذا الأمر طبيعي فليس الكل قادراً على السياحة على متن باخرة تتمتع بخدمات تزيد على «الخمس نجوم»، وتسافر من إمارة أبو ظبي إلى البحر المتوسط مروراً بالبحر الأحمر، لتطرق شواطئ مدن عربية وأجنبية. ومن خلال الرحلة تكشف الحدوتة عن المشاكل التي يعانيها المسافرين، وعن همومهم، ومنهم من يتعرض لمشاكل طارئة، كلها ضمن أحداث بطيئة السير في كل حلقة لا تتجاوز خمساً وعشرين دقيقة، من إخراج المخرج المصري خيري بشارة، وفي التمثيل: ياسر العظمة، بشار إسماعيل، مرح جبر، ديمة الجندي، ستيفاني عطا الله، حمدي الميرغني وليا مباردي.
الظهور الأهم للعظمة
لمجرد أن قيل إن مسلسل «السنونو» من بطولة القدير ياسر العظمة، ذهبت الأنظار المترقبة لحضور العمل، وبعدما تم الإعلان بأن التأليف أيضاً هو للقدير، ازداد التشوّق وعدم الصبر لمتابعة العرض والذي تأجل إلى ما بعد شهر رمضان الماضي. ولكن الكل بعد عدة حلقات من بداية العرض على قناة «أبو ظبي»، وبشكل غير إرادي ذهب إلى المقارنة بين سلسلة «مرايا» -التي بدأت في عام 1984 واستمرت حتى 2013- وبين المسلسل موضوع الحديث. لربما لأن الفنان العظمة بقي مستأثراً الجمهور السوري والعربي لسنوات عديدة عبر سلسلته التي كانت تتجدد كلّ مرة موضوعاً، وممثلين وأداء له، وحتى اليوم الكثيرون يتابعون سلسلة «المرايا» على اليوتيوب مرات ومرات من دون ملل، ليجدوا فيها قرباً لوجع المواطن السوري والعربي بشكل عام، في نضالهم في الحياة عموماً بثقافاتها ومشاكلها المختلفة والمتنوعة.
ما وجّه من انتقادات
مع عرض مسلسل «السنونو» لم يسلم القدير العظمة من الانتقادات أو المقارنة، ولربما لأن جمهوره وضعه بمكان وقولبه بقالب معين، ولا يمكنه بالفترة الحالية أن يرى منه شيئاً جديداً ومختلفاً وبالوقت نفسه هو خفيف في الطرح، بمعنى إن جاز الوصف بأنها دراما (لايت)، مضمونها ليس بمبهر، ولكنه ممكن المتابعة في ظل ما يتم تقديمه من مشاريع دراميّة على المستوى المحلي والعربي. ومن جهة أخرى نحن الجمهور من يطالب دائماً أعزاءنا من القديرين بالحضور على الساحة الفنية، ولكن وللأسف عندما يتم الأمر، لا نتغلل في الأسباب المتاحة لإمكانية الظهور وتناسبه معهم من حيث الإنتاج والتأليف، ولا نفكر بأن نكون داعمين، ولكن على الفور نقف منتقدين، ونعود لنطالبهم بالمكوث جانباً، ملوّحين بأهميتهم وبأن الجديد بعيد عن قدرهم وقيمتهم.
ومن الانتقادات التي طالت مسلسل «السنونو» نبدأ بالحضور بالممثلين المرافقين فيه، وعلى الفور انسحبت الانتقادات نحو الحنين لذاكرة ماضية في العمق، والكل يطالب بحضور قوي ولافت لأسماء رافقت السلسلة لسنوات منهم: سليم كلاس، عصام عبه جي، حسن دكاك، وتوفيق العشا. على حين الحضور اليوم من فريقه اقتصر على: بشار إسماعيل، محمد قنوع، عابد فهد، ومرح جبر. والمقارنة استندت بأن باقي الممثلين أغلبهم من وجوه جديدة أو غير معروفة في الوسط، هذا عدا أدائها الفاتر وبحضور أدائي غير لافت وفيه الكثير من الركاكة. ومن الانتقادات أيضاً الحديث باللغة الإنكليزية وعدم وضع ترجمة لما يقال، والأخير هو بعيد عما يعرفه معظم الجمهور العربي وغير المتقن للعربية، لربما هذا خطأ في الإخراج، وليس في التأليف، لأن النص يشير إلى السلخ الذي تتعرض له العروبة من حيث محاربة هويتها، في كل الجوانب الثقافية وعلى الخصوص اللغة، وهذا ما يذكره المؤلف نفسه العظمة في إحدى الحلقات عندما يشجع على تعلّم اللغات الأجنبية إلى جانب لغتنا العربية، والتي يجب أن تبقى هي الأساس. أما بالنسبة للحدوتة، وهنا نذكر مجدداً بأن المسلسل من تأليف العظمة، الأخير الذي عاد إلى شخصياته في «مرايا» مختاراً شخصية «عوني الناكش» من إحدى لوحات «مرايا 97»، تم إعداد الشخصية في «السنونو» ليكون الرجل العالم بكل شيء، والذي كان في شبابه مندفعاً وفضولياً، وحتى إنه سليط اللسان، ولكنه حكيم وخبير بأمور الحياة بسبب ترحاله وعمله الجاد لجمع ثروة لا يمكن الاستهانة بها، هذا عدا لطافته وممازحته لكل ركاب السفينة وحتى العاملين عليها. وبالعودة إلى القصة تحمل الكثير من الرسائل الصريحة والمبطنة، ولكنها بعيدة عن الأحداث المفاجئة، وفيها الكثير من الإطالة لدرجة أنها تبعث بالملل وعدم الرغبة في المتابعة، وفي السرد هناك الكثير من التلقين والتوجيه والتمسّك بالأخلاق الفاضلة، في سعي من البطل الرئيسي- ياسر العظمة- إلى تغيير النظرة بالحياة لتكون جميلة وكلّها أمل، وخصوصاً بالوقوف إلى جانب الركاب والموظفين والتعامل معهم بشكل إنساني مبالغ فيه، وحتى التدخل بمشاكلهم، والعمل على حلّها في طرق مبالغ فيها من كونها غير واقعية في حدّها.
وأخيراً بقي أن نذكر نقطة مهمة، دائماً العرض الأول للمسلسل يكون غير منصف، فهناك بعض الأعمال تحتاج نوعاً من التأني في المشاهدة، وهذا ما حصل مع الكثير من المسلسلات المرتقبة، وعند العرض تكون النتيجة مخيّبة للآمال، ولكن بعدها بفترة يكتشف المشاهد نجاح المسلسل وهدفه الحقيقي بالطرح، منها على سبيل الذكر بين الماضي والحديث: جميل وهنا، أبو الهنا، الواق واق.