ثقافة وفن

عبد الله الخاني وسيرة الحياة .. قدّم سيرة سورية في سبعين عاماً وغادر مغمساً بالألم والأمل بغد أفضل

| الوطن

أنجزت صحيفة «الوطن» اليوم وعدها لنفسها قبل أن تنجز وعدها لأي كان، وقامت بطباعة حديث الأستاذ الوزير والدبلوماسي الأسبق والراحل عبد الله الخاني، والذي خصّ به «الوطن» عام 2016، ويومها تفضل الأستاذ الخاني باستقبال «الوطن»، وأعطاها من صحته ووقته الكثير، وتابع الحديث، وعقب عليه مصوباً، ومركزاً على بعض القضايا التي تحتاج، كان بود السيد رئيس التحرير أن يطبعه في كتاب خلال حياة الأستاذ الخاني، لكن الظروف حالت دون ذلك، وبقي وعد الوفاء قائماً من الصحيفة لرجل يمثل خلاصة نادرة من الوطنية والانتماء والاكتفاء واللياقة.

حين رأيت صورة الخاني على الغلاف استذكرت ذلك الرجل القامة، والذي زار كل أصقاع الدنيا والذي لم يشأ إلا أن يكون مثالاً مختلفاً، فقد بادل السيد رئيس التحرير زيارته، حين زار مكاتب «الوطن» ليقابل الذوق بذوق، فكان درساً مهماً في التواضع وتقييم الناس ومنازلهم، وليس هذا فقط، فقط طلب مني عدد من الأفاضل زيارته في بيته حين علموا آنذاك أن الأستاذ عبد الله على قيد الحياة وفي كامل صحته، فاستقبل الجميع بكل رحابة صدر، ووفق مواعيد لا تقبل التأخير والتقديم، وكل واحد من هؤلاء الأفاضل ضرب الخاني معه موعداً وقام برد الزيارة إليه كما يجب أن يفعل وفق قناعاته التي عاش عليها عمره الدبلوماسي والحياتي، ولا يذهب من الخاطر الأستاذ عبد الله عندما كان يجهز نفسه، ويلبس لباسه الرسمي من أجل زيارة، فهو يحرص على احترام الآخر، وبالهيئة التي تليق بكليهما، وفي هذا درس مهم يمكن للناس وخاصة للعاملين في الشأن العام أن يتعلموه من قامة سورية من النوع النادر، والتي من الصعب أن تتكرر بهذا العلم والإتقان والذوق.

خمس سنوات مرت

نُشر الحديث الذي تقدمه «الوطن» لروحه وللرجال الأوفياء لسورية ولقرائها يمثل قيمة مضافة لرجل نادر ومن رجل نادر، فهو يقدم الوقائع التي عاشها خلال قرن من الزمن بكل صدقية وتواضع، فهو لا يمارس بطولة، ولا يبالغ بحب أو كره، ولم يستغل غياب أحد عن موقع القرار، أو عن الحياة ليغير في الوقائع، فكانت غايته محددة، وهي تقديم شهادته الوثيقة للوطن وللإنسان السوري بكونها من التاريخ السوري البعيد والقريب في الوقت نفسه، وحسب «الوطن» أنها استطاعت استخراج ما لدى الأستاذ الخاني، لعلّ ما قاله يمثل منارة وهداية ومنهجاً في وقت تحتاجه سورية فيه أكثر من أي وقت مضى، وهي تنهض من بين رماد الحرب التي فرضت عليها لتتقدم إلى الحياة القادمة، مستهدية بمنهج الانتماء والحب الذي عاشه الخاني، الذي أمضى حياته في بيت مستأجر، وقربه وملاصقته للرؤساء لم تقدم له البيت الذي يسكنه، حتى كبرت ابنتاه، ومن عمله في محكمة العدل الدولية، وبحب أصحاب البيت للخاني وجيرته امتلكه، وهو لا يعنيه هذا الأمر من قريب أو بعيد لأنه يرى أن الحياة دار إقامة مؤقتة، والبيت سيؤول لسواه، ومن زهده هذا شكّل قناعاته الكبرى التي حددت خط سيره في الحياة السياسية والمعيشية التي يريدها لنفسه.

الخاني الكبير في حياته وسيرته رحل عن دنيانا تاركاً أثراً لا يمحى في وطن أحبه، واليوم تنشر «الوطن» نص حديثه الطويل الذي خصّها به، وحافظت «الوطن» على نص الحديث وما فيه من مقدمات وملاحظات كما قرأه الخاني في حياته، دون تغيير أو إضافة حرصاً على الأمانة العلمية.

رحمك الله أيها الرجل الكبير، وأنت قدوة كبرى لسورية وأبنائها في رحلتك الطويلة العظيمة بكل مأثرة داخل سورية وخارجها.

الخبرة والانتماء

عبد الله الخاني في حديثه كان متألماً يعتصره الألم لما يحلّ بسورية، وسأل مرات: ما الذي جرى؟ كنا بالجواز السوري نذهب إلى أوروبا من دون فيزا، فماذا تغير حتى حصل لسورية والسوريين ما حصل، وعبّر في حديثه عن ألمه للحرب على سورية، وبأنها طالت وستطول، ومن خبرته في الحياة السياسية والدبلوماسية، وتنقله بين مواقع كثيرة منها السفارة والوزارة ومحكمة العدل الدولية كان مدركاً لعمق المسألة والمؤامرات التي حاكها أعداء الأمة عبر سنوات طويلة، من مرحلة الانقلابات على الديمقراطية التي شهدها بنفسه، وصولاً إلى الحروب المتكررة والحرب الأخيرة التي كان يرجو انتهاءها، والتي تريد إنهاء سورية وما فيها، وفي الحديث إشارات عظيمة وذات قيمة قدمها الخاني الذي كان لصيقاً بالقصر الجمهوري عقوداً من الزمن، حتى الوزارة في عهد الرئيس حافظ الأسد، عندما كان مؤتمناً على المراسلات مع الرؤساء مثل تيتو والسادات.

الكتاب الوثيقة والشاهد

من حسن حظنا أننا التقينا الأستاذ عبد الله الخاني الذي قدم خبرته ورحلته بكل تواضع، ولم يحاول أن يظهر نفسه على حساب الحدث والأشخاص، بل إن الخاني بعد نشر الحديث استقبل الملاحظات وأجاب عنها، وفي بعض الأحيان رد ما يجري إلى الذاكرة، فلم يقدم أي نوع من الأحكام على الأشخاص، بل اكتفى بسرد الوقائع، لتكون شاهدة على زمن عاشه.. أعدّ الكتاب للطبع فور الانتهاء من الحديث ونشره، لكن كورونا وظروفها أجّلت النشر، وها هي «الوطن» تنشر هذا الكتاب في صورته التي عاينها الأستاذ الخاني بنفسه، مع نشر صور الحديث في الجريدة لتكون المصداقية التي منحها الخاني لـ«الوطن» في أعلى درجاتها.

لروح قرن في قامة سورية التي احترمها الجميع عبد الله الخاني نقدم هذا الكتاب الذي جاء في إطار جهود صحيفة «الوطن» لتوثيق الأحاديث والشهادات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن