في سهرة جمعتني مع الموسيقار الراحل سهيل عرفة بحضور أصدقاء رائعين منهم المايسترو أمين خياط والدكتور فايز صايغ والمخرج محمد عنقا والمطربين عصمت رشيد والراحل يونس محمد، أخذنا الحديث عن الأغاني الوطنية والعاطفية، وكذلك عن الأغاني الاجتماعية وغيرها.
كنت قد كتبت في «الوطن» منذ سنوات في هذه الزاوية بالتحديد مقالة عن الأغنية الوطنية، وقلت إن أغنية عن الحب والعواطف قد تحمل المعاني الوطنية ربما أكثر من أغاني الحماسة المترافقة من آلات النفخ والطبل والزمر، واستشهدت بأغنية فيروز«في قهوة عل مفرق» وهي أغنية عاطفية رومانسية بامتياز لكنها تتحدث عن الوطن ولو بكلمتين «وبتخلص الدني وما في غيرك يا وطني».
حينها أبدى الراحل سهيل عرفة شيئاً من الغضب وقال: دائماً تستشهدون بأغاني فيروز وتنسون الأغاني التي لحنتها للعديد من المطربين والمطربات، وفي مقدمهم صباح التي غنت أغنية اعتبرها النقاد بمنزلة فتح في الأغنية الاشتراكية.
وبغض النظر عن الخلاف بيني وبين أبو عادل «سهيل عرفة»، إلا أن السهرة انتهت بمصالحة كان عرّابها الصديق الغالي الدكتور فايز الصايغ وانتهت بتقبيل الوجنات، وشطب كل ما جرى في تلك السهرة من خلاف وسوء تفاهم.
تذكرت تلك السهرة في وقت وصلني صوت صباح من إحدى الإذاعات وهي تغني ع البساطة:
ع البساطة البساطة ويا عيني ع البساطة
وقديش مستحلية أعيش جنبك يا أبو الدراويش
تغديني جبنة وزيتونة وتعشيني باطاطة
وبغض النظر عن كل شيء فإن ما طالبت به الصبوحة أصبح اليوم نوعاً من أحلام الفقير الذي لا يستطيع أن يطعم أولاده البطاطا مع وصول سعر الكيلوغرام منها إلى قرابة ثلاثة آلاف ليرة، أما الجبن فقد تجاوز الخطوط الحمراء ليصل سعر الكيلوغرام إلى أكثر من 12 ألف ليرة وصولاً إلى قرابة ثلاثين ألف ليرة بالنسبة للجبنة الشلل، والزيتون وصل بعون اللـه والتجار إلى حدود عشرة آلاف ليرة سورية.
المشكلة أننا كبشر فطرنا على طمع وهذا الأمر يذكرني بشارة مسلسل خمسة ونص بصوت ملكة الإحساس شيرين عبد الوهاب التي تقول:
القناعة كنز لـ يلي اقتنع بس نحنا مركبين ع طمع
مركبين.. أو خلقنا عـلى طمع لا فرق، فالطمع إحدى الصفات السيئة في النفس الإنسانية لكنها تتحكم بمعظم أبناء آدم وحواء.
من الأغاني الرائعة التي تتحدث عن القناعة أغنية الراحل عازار حبيب التي يقول فيها:
نحنا خلقنا حتى نعيش… مش همّ نكون دراويش
مابدنا مخدّة من ريش… بدنا من الدنيي نشبع
وفيروز بدورها أبدعت مع الرحابنة في هذا الموضوع:
إنت وأنا عم يسألونا كيف؟ منضل شو بيحلالنا نغني
ما بيلتقى مرات عنا رغيف ومنعيش بأطيب من الجنة
أنا مقتنع بما هو متوافر بين يدي، لكن، كيف يمكن إقناع من لا يوجد في بيته رغيف أن يكون قنوعاً وهو يرى غيره يأكل المشاوي والعكاوي ويشتري بفلوسه الكلاوي؟ وأقصد الكلاوي البشرية، ويشتري البحرية والبرية وينام نومة هنية مع ست بدرية، أسئلة ما لها جواب إلا عند الشباب!