ثقافة وفن

أنا مختلف لأنني أحبُّ الحياة … إدوار شهدا لـ«الوطن»: معرضي الحالي مفتوح الآفاق

| سوسن صيداوي ت: مصطفى سالم

«لطالما كنتُ شغوفاً بالرسم.. يسحرني شكل جسد الإنسان، وأعمل عليه في لوحاتي. اللون هو شغفي الأكبر، فكمية قليلة من اللون قد تحمل ثراء هائلاً على المستوى الدراميّ والتعبيريّ، وتخلق حالة من التوتر البصري». المقولة تعود للتشكيلي إدوار شهدا الذي خرج من الإطار التقليدي لحجم اللوحة، مقدماً لنا جداريات استلهم مواضيعها من الروايات الفلكلورية والأساطير والأيقونات المحلية. اشتهر فناننا بأعماله المشحونة بالعاطفة، التي تعكسها الألوان المتباينة والحاضرة بقوة. شهدا افتتح معرضه الفردي في غاليري جورج كامل في دمشق، بعد غياب دام أحد عشر عاماً، مقدماً إحدى عشرة جدارية، تحكي بمواضيعها وألوانها الضاجة، الفرح والحب والأمل بالحياة المفتوحة لذهنية الرسام، ولعين المتلقي.

من الحرب إلى الأمل

في بداية حديث «الوطـن» مع الفنان التشكيلي أخبرنا إدوار شهدا، بأنه غاب عن الساحة التشكيلية السورية منذ عام 2010، واكتفى بمتابعة النشاط في الغاليريات، متأملاً حال التشكيل السوري، ومدى تأثره بسني الحرب، ليقول: «آخر معرض أقمته كان في عام 2010 قبل ما يمكنني أن أسميه بالكارثة السورية، ولكن خلال هذه الفترة أقمت معارض في الخارج، وهناك بالأعمال التي أنجزتها وعرضتها، كنت قد صوّرت الإنسان السوري، بآلامه وأوجاعه، والواقع والمرارة السائدة، فساد بالأعمال ألوان الرماديات والأسود، وكان فيها حس السكيتش الصريح، وخلال ساعة كنت أنتهي من العمل باللوحة، هذه الأعمال لم أعرضها في المعرض الحالي، ولأنني مملوء بالعاطفة والحب قررت اليوم بأنه آن الأوان كي يخرج الإنسان السوري من حزنه الدفين، لتأتي اللوحات المشاركة التي عددها إحدى عشرة جدارية- وهي نتاج سنة تقريباً- بالكثير من الفرح والأمل سواء باللون القوي وبكثافته أم قلّته المرتبطة بضرورات اللوحة، لكوني أحاول أن أستخلص من اللون طاقته ليكون أكثر تعبيراً من دون أي انحياز وبلا إسراف فيه. ففي العادة كنت أسير على ثيمة معينة ولكن اليوم حاولت أن يكون الموضوع مفتوحاً، بالطروحات والأساليب التي كنت معتاداً عليها».

بين الثبات والتجدد

عن ضرورة نهج التجدد أشار شهدا إلى أن الموضوع نسبيّ وليس فيه أي تقييم للتشكيلي، يتابع موضحاً: «التجدد ليس شرطاً ضرورياً وهو خاضع لأهواء وأفكار كل فنان، ففي المقابل هناك فنانون يعملون على نمط واحد ويقدمون أعمالاً جيدة، على حين أنا مختلف، ولا أستطيع تكرار ذاتي بأكثر من تجربة، نتيجة الإشباع من العمل ضمن مرحلة معينة، وبالتالي علي أن أنتقل إلى مرحلة ثانية بتجربة مختلفة. ولأنني أحب الحياة التي هي مفتوحة، لهذا في كل مرة أقدم أموراً متنوعة، فمثلاً في المعرض الحالي رسمت سوق (باب السريجة) في دمشق، أحببت السوق وجسدته كما رأيته سواء بالفكرة أم بالعاطفة، والألوان في اللوحة تدل على الحياة النشيطة عبر الناس التي تزوره للتسوق. وأيضاً تذكرت موضوع ما نسميه بالعامية (الحميماتي) أو ما نسميه بـ(كشاش الحمام)، الذي يقوم بتربية الحمام، فهذا الموضوع استوقفني. وأحب أن أؤكد هنا على نقطة مهمة، وهي كيف يمكننا أن نخرج اللوحة بطريقة تشكيلية، إذاً فالموضوع ممكن أن يكون بسيطاً جداً وعابراً، ولكن كيف تراه عين الفنان التشكيلي وتقوم بتصويره بالرسم هنا مربط الفرس».

ليتابع مشدداً على ضرورة الثقافة التشكيلية بتجسيده لإبداعه قائلاً: «الثقافة لا تعني كثرة الاطلاع والقراءة، بل هي معايشة للحياة والواقع، والمهم كيف يرى الفنان التشكيلي بانتمائه للمدارس التي ينتمي إليها، سواء بخطوطه أم ألوانه التي يجب أن تكون ذات مغزى ومضمون، بغض النظر عن الموضوع المطروق، سواء أكان يجسد الفرح أم الحزن، فهذا كلّه يحتاج ثقافة لدى الفنان ليتمكن من تجسيد العمل بالطريقة الصحيحة التي يجب أن تصل للجمهور الذي سيتلقى هذه الأفكار، من حيث شراكته، والرسام بالرؤية والموضوع، إذاً الفن من دون ثقافة يكون بلا معنى أو مضمون ولا داعي له أساساً».

في الأساطير

في الختام لابد لنا أن نتكلم عن الأسطورة التي رسمها الفنان التشكيلي إدوار شهدا بمرحلة سابقة، منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ولأنه يهوى الاختلاف في مراحله التشكيلية الغنية بالتجدد، وفي سؤال «الوطـن»: هل ما زالت الأسطورة غائبة عن أعماله؟ جاءت إجابته على الشكل التالي: «في المعرض الحالي لم أشتغل بهذا التفصيل، فهناك عمل اسمه (الفصول الأربعة) حيث مثّلت فصول السنة بالصيف والربيع والخريف والشتاء، بالنمو والازدهار والنضوج وأخيراً بالذبول والتساقط، كما صوّرت الجنة والنار، مدرجاً باللوحة أربع نساء. التفاصيل تنتمي للأسطورة ولكنها ليست بذلك».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن