كرة السلة السورية بين لغة التصريحات والعمل على المستجدات … صورة مترددة للسيدات في البطولة الآسيوية ومشاهد متناقضة للرجال في التصفيات العالمية
| مالك حمود
تبقى كرة السلة بجماليتها ورشاقتها وثقافتها مثار اهتمام حيز كبير من الشارع الرياضي وخصوصاً عندما تعود به الذاكرة إلى الأيام الذهبية والإنجازات الدولية لكرة السلة السورية، وسرعان ما يطلق السؤال المشروع: كيف ومتى ستعود سلتنا إلى زمنها الجميل والأصيل؟ وأين المشكلة؟
فهل هي في الاتحادات المتعاقبة التي تعمل على قيادة اللعبة وإدارتها؟ أم في الأندية التي تعتبر الخلية الأساسية التي ينطلق منها البناء السلوي؟ أم في الجوانب الأخرى من دعم وإمكانات وأنظمة وقوانين؟
أم في العقلية التي تقود كرة السلة السورية وتسعى لتقديم الأفكار؟
دوري قوي لمنتخب قوي
العلاقة بين الدوري والمنتخب كانت وستبقى متبادلة وقوية، وتختزل القاعدة الذهبية التي تقول: الدوري القوي عن منتخب قوي، ولكن على أرض الواقع هل دورينا قوي للدرجة التي يمكن أن ينتج عنه منتخب قوي دولياً؟
حقيقة وبالعودة إلى مستوى الدوري السوري للمحترفين في المواسم الأخيرة نجد أنه دون الطموح، ولا يتجاوز درجة الوسط، وما شاهدناه من جماهيرية وجمالية على المدرجات وتقلبات في المباريات عبارة عن إثارة وحماس، لكنه في الواقع لم يرتق للمستوى المأمول، وكان الأمل بأن تسهم هذه الأجواء في رفع المستوى والنهوض به وتطويره.
تنقلات اللاعبين بين الأندية لها دور في زيادة الحماس والإثارة ونقل موازين القوى بين الأندية، ولكن المشكلة أن اللاعبين هم أنفسهم الذين تقوم عليهم كرة السلة السورية في السنوات العشر الأخيرة، وبالتالي فالمسألة بحاجة لما هو جديد، فأين اللاعبون الشبان الجدد الذين يحدثون ذلك التغيير والانتعاش في صفوف الفرق والمباريات؟
لا ننكر أن هناك العديد من اللاعبين الشبان الذين برزوا في الآونة الأخيرة، ولكن أين المواهب الحقيقية القادرة على أن تفرض نفسها بقوة في المباريات، وتخرج من دور البدلاء ريثما يتكامل ويتطور وينضج لديهم الأداء.
الحلول الأجنبية
بالعودة إلى تفاصيل المنتخب الذي دارت حوله جدلية واسعة خلال مباراتيه الأخيرتين مع كازاخستان خلال تصفيات كأس العالم، نجد لديه اعتماداً واضحاً على العنصر الخارجي، سواء باللاعب المجنس (أمير جبار) أم باللاعبين من أصول سورية (كميل جنبلاط- عامر الساطي)، والعدد كان قابلاً للارتفاع فيما لو كانت الأمور أفضل للاعب (هيرمز) وقبله (فابيان السعدي) والبحث مستمر عن حالات كهذه، وبالتالي الاستعانة بهؤلاء اللاعبين القادمين من مختلف أوروبا وأميركا الجنوبية يبدو أنه سلاح ذو حدين، فالقادم من خارج الحدود لاشك أنه يحقق إضافة مهمة للمنتخب وتكاملاً في صفوفه، ويرفع مستواه، ولكنه في الوقت ذاته يقلص دور اللاعب المحلي الذي يخوض الدوري ويسعى ليكون من نجومه وأن تكون له الأولوية في صفوف المنتخب، وهذا الكلام خلق حساسية في المراحل الماضية خلال مسيرة المنتخب في التصفيات الآسيوية وتحديداً خلال معسكر المنتخب في كازان، فمن حق المنتخب أن يسعى لتقوية صفوفه، ومن حق اللاعب القادم من الخارج أن يلعب ويأخذ دوره في منتخب بلده، ومن حق المحلي المشارك في الدوري والمتميز فيه أن يظهر في المنتخب، ولكن ما مدى الفائدة من اللاعب القادم من الخارج فيما لو كان سيلتحق بالمنتخب قبل يومين من الاستحقاق؟
تجربة اللاعبين من أصول سورية ليست جديدة في السلة السورية، وأول من طرق بابها نادي الجلاء الذي سارع إلى التواصل مع دول أميركا الجنوبية واستقدم مجموعة من اللاعبين المميزين كـ (أندريه شويري- مارسيلو كوريه- إيدر آرجو)، وهؤلاء جاؤوا للعب مع الجلاء في المسابقات المحلية والبطولات الدولية، وعندما طلبهم المنتخب الوطني كانوا حاضرين ولعبوا باسم منتخب سورية ونادي الجلاء في العديد من المسابقات الدولية، وبالتالي فالأفضل إيجاد صيغة تشجيعية للاعب الأجنبي للعب في الدوري المحلي لدعم صفوف الأندية أولاً وتطويرها فكراً وفناً ومستوى، ما يسهم في التطوير العام لكرة السلة السورية على المستوى المحلي، والانتقال به إلى المنتخب، وبالتالي فإن مشاركته مع المنتخب ستكون أسلس وأفضل وبلا مقدمات.
أما بالنسبة للاعب الأجنبي الذي تم السماح مؤخراً بمشاركته في الأدوار النهائية للدوري السوري لكرة السلة، وكذلك الأمر بالنسبة للاعب العربي، فإن ذلك التوجه يسهم في إحداث تلك الجرعة التحريضية التي كان ينتظرها الدوري السوري، بما تحمله من تطور واسع في مختلف المجالات فنياً وجماهيرياً وإعلامياً وإعلانياً.
التركيز على المنتخب
الواضح من خلال عمل اتحاد السلة تركيز عمله بشكل كبير على المنتخب، والواضح أكثر أن يبحث عن إنجاز دولي مميز يعبر عن لمسته وبصمته، فالتأهل إلى النهائيات الآسيوية رغم أهميته غير جديد على سلتنا التي سبق أن تأهلت ووصلت إلى هذه الأماكن، بل كانت ذات يوم قاب قوسين أو أدنى من الفوز بميدالية آسيوية، أما اليوم فالبحث يبدو كبيراً للتأهل إلى كأس العالم، وهذا طموح مشروع ولكن المشكلة في استعجال الأمور، والذي قد يوقع في المحظور، فالصورة المزعجة التي ظهر فيها منتخبنا في مباراتيه أمام كازاخستان تركت العديد من إشارات الاستفهام حول طريقة التعامل مع المنتخب، وخصوصاً في موضوع المدرب الذي عمل عن بعد، ولا ندري سبب تمسك اتحاد السلة به إذا كان مرتبطاً بعمل آخر وغير متفرغ لمنتخبنا، ومنذ متى كانت المنتخبات تقاد بطريقة (أون لاين) وهل اتحاد السلة مقتنع بطريقة كهذه؟ وما ردة فعل اتحاد السلة تجاه ما حصل مع المنتخب بين مباراتي كازاخستان؟
تناقض
التناقض في التصريحات كان سيد الموقف لدى اتحاد كرة السلة!
فتارة يقولون: ساليرنو هو المدرب، وأنه يضع البرامج التدريبية للمنتخب، ويتابع تنفيذها عبر الفيديو!
وتارة يقولون إنه مدير فني، وإن المدرب هو الأجنبي الموجود مع المنتخب منذ بداية الفترة التحضيرية من دمشق إلى طهران وصولاً إلى كازاخستان!
وتارة يصل ساليرنو قبل البطولة بيومين ويظهر في المباريات واقفاً على الخط متخذاً دور المدرب، وتاركاً خلفه المدرب الذي درب المنتخب خلال الأسابيع الماضية!
وتارة يقولون: القرار للمدرب أولاً وأخيراً ولا أحد يتدخل في قراره الفني!
وتارة يقول أحدهم بأنهم ناقشوا ساليرنو بما حصل في مباراة كازاخستان الأولى وتمت معالجة الأخطاء!
وتارة يقول أحدهم لأحد اللاعبين الذين لم يشاركا في مباراة كازاخستان الأولى بأنه وضع ثقله من أجل أن يلعب ذلك اللاعب في مباراة كازاخستان في دمشق.
وتارة يغيب عن منتخبنا أطول لاعب في التصفيات، وسط استغراب الجميع، ولكنه تحت بند (قرار مدرب) وهو المسؤول عن قراره!
وتارة يقال: عبد الوهاب الحموي كان على خلاف مع أحد أعضاء الجهاز الفني للمنتخب!
وتارة عبد الوهاب الحموي يعلن اعتزاله اللعب دولياً مع المنتخب!
وتارة يؤكد أحدهم بأنه تحدث مع الحموي وأقنعه بالعدول عن قراره!
وتارة يؤكد المسؤول الأول عن كرة السلة السورية بأنه راض عن المنتخب!
وتارة تنام القصص وتنتهي المسائل ويختفي الجدل حول منتخب الرجال، مثلما نامت حكاية منتخب السيدات الذي خيب الآمال في المستوى الثاني للبطولة الآسيوية!
بين المسابقات والفئات
فيما يتجه معظم تفكير وجهد اتحاد كرة السلة نحو المنتخبات، تسير على الأرض مسابقات الفئات العمرية في مختلف المحافظات، وكالعادة فالمعاناة موجودة من خلال توافر الصالات وتواصل الخدمات، فالتأجيل والتعديل صارا واقعين في منهاج عمل الاتحاد الذي كان يطالب سابقاً بروزنامة محددة وواضحة وثابتة، والتمسك فيها من دون تأجيل أو تعديل، لكن الكلام يختلف على أرض الواقع الحالي، فالتعديلات والتأجيلات باتت من تقاليد الاتحاد الحالي، بل إن بعض البرامج لحق بها التعديل من قبل أن تبدأ المسابقة، والسبب طبعاً هو عدم سيطرة اتحاد السلة على الصالات، ومثال ذلك ما حدث في صالة الفيحاء في دمشق خلال الشهر الماضي حيث شاهدنا ملعب صالة الفيحاء الفرعية يستقبل تدريبات ومباريات لثلاث محافظات في آن واحد (دمشق- ريف دمشق- القنيطرة) والمشكلة تفاقمت عندما تحولت الصالة إلى ملعب واحد، لتستقبل الفرق من مختلف الفئات وللذكور والإناث في تدريباتها ومبارياتها، لدرجة أن فرق الكبار صارت تتمرن على نصف ملعب فقط ضمن تأهبها للدوري!
مشكلة صالة الفيحاء وجدت طريقها للحل المبدئي بعودة صالة الفيحاء الرئيسية لاستضافة المباريات الرسمية، ولكن الحل الحقيقي والجذري بعودة صالة الجلاء الرياضية إلى الخدمة الرياضية ومنها كرة السلة، وعلى الأقل أن تحتضن مباريات بعض الفئات العمرية، وتدريباتها، علما أن النية كانت تتجه نحو تحويل أرضية صالة الجلاء إلى خشب (باركيه) لكن سرعان ما تحولت الفكرة إلى صالة طرطوس ليتم نقل الخشب إلى هناك وفرش أرضيتها وذلك دعماً لكرة السلة في تلك المحافظة، وبقيت صالة الجلاء على حالها.
المسابقات المحلية ورغم التوسع فيها مع إضافة بطولة الدوري الأولمبي (تحت 23 سنة) مازالت تبحث عن المزيد من الاهتمام والتنسيق، فالبطولة الأولمبية باتت تشكل ضغطاً على بعض اللاعبين، حيث التداخل بين الفئة الجديدة وفئة الشباب (تحت 19 سنة) فكيف للاعب أن يلعب اليوم خارج محافظته مع ناديه في الدوري الأولمبي، ليجد نفسه مطالباً خلال 24 ساعة بالعودة من السفر واللعب مع ناديه في مسابقة دوري الشباب؟
بالمقابل ورغم حماس اللاعبين المشاركين في الدوري الأولمبي لكونه حقق لهم المزيد من لعب المباريات، ووفر لهم مساحات واسعة في أرض الملعب، إلا أن الواضح على أرض الواقع اعتماد بعض المدربين على عدد محدد من اللاعبين في مباريات هذه المسابقة لأنه مطالب بالفوز والبطولة، وحتى لو كان ذلك على حساب بقية اللاعبين وعلى إعطائهم فرص المشاركة والتطوير، وبالتالي فالمسابقة أعطت نكهة جديدة لملاعبنا لكن الحديث عن فوائدها الفنية مازال مبكراً.
وتتقلص فوائد المسابقات مع الإبقاء على نظام التجمعات الجغرافية التي تقام وفقها المسابقات لما دون فئة الرجال رغم النداءات العديدة والمتكررة للعودة إلى نظام الدوري الكامل في مختلف الفئات العمرية، والانتهاء من نظام التجمعات الجغرافية وحصر منافساته بين فرق محددة.
تسويق وتسويف
من الجوانب الإيجابية التي لحظناها ولمسناها في الآونة الأخيرة إطلاق مسابقة كأس السوبر لفرق الرجال بما حملته من لمسات جديدة وأهمها التسويق الإعلاني والإعلاني الذي شهدته تلك البطولة، وبالطبع فإن دخول الشركات والفعاليات الخاصة على خط دعم كرة السلة يعتبر خطوة مهمة ومنتظرة، ولن تتطور كرة السلة لدينا ما لم تستفد من عقود الرعاية والدعاية والإعلان، وعلينا تشجيع هذه الخطوة في مختلف المسارات، ولكن شريطة أن تكون ضمن ضوابط ومحددات، وقد آن الأوان كي نرى أرض صالاتنا مزدانة باللوحات الإعلانية التي تضفي على المشهد جمالية معينة، وتنعكس فائدة على الفرق والأندية واللاعبين وكل مفاصل اللعبة.