العشرة بالمئة الأردوغانية تحت المجهر
صياح عزام :
بات من الواضح أن فوز أردوغان في الانتخابات التركية الأخيرة سواء بـ«العشرة في المئة» أم دونها.. وبأغلبية مطلقة أم من دونها أيضاً، هو فوز شابه القمع والاستبداد والترهيب الأمني، العشرة بالمئة التي كسبها أردوغان، هي التي يجب أن توضع تحت مجهر التحليل السياسي وليس فوزه بالأغلبية، فقد حافظ على هذه الأغلبية لمدة ثلاثة عشر عاماً متواصلة، فلماذا استغراب هذا الأمر؟
ولكن هذا الفوز أثار زوبعة تكهنات وتحليلات تتعلّق بخلفياته وأبعاده، وما سينتج عنه من سياسات لها أثرها في الحراك السياسي الجاري في المنطقة.
في السياسة الدولية، لا مكان للمصادفة كما يتصور البعض… فعشية إعلان النتائج، أكدت مصادر تركية معارضة موثوقة أن صفقة أميركية أعطت أصوات جماعة «فتح اللـه غولن» المحسوب على أميركا والموجود فيها لمصلحة أردوغان وحزبه مقابل تفاهمات مشبوهة، ذلك أن الحاجة لأردوغان أميركياً، مسألة ملحة لحفظ الصورة الأميركية المهتزة مع تقدم الحراك الروسي وفاعليته في المنطقة والعالم، وهو ما سيُظهر عقم السياسات الأوروبية التي تمرغت معايير ديمقراطياتها بالتراب عندما رحبت بحكومة الحزب الواحد وتغاضت عن سجل أردوغان الأسود بشأن حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون والحريات.
لقد خمدت أصوات التنديد الحكومي الأوروبي والأميركي لتعلو بالمقابل أصوات المنظمات والصحف العالمية مُنددةً بسياسات أردوغان.
– وعلى سبيل المثال، قال مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تُعد أكبر منظمة دولية للتعاون الأمني الإقليمي في العالم: «إن أعمال عُنفٍ شوهت الفترة التي سبقت إجراء الانتخابات النيابية الأخيرة». بدوره أدان المنبر البرلماني التابع لمجلس أوروبا العملية الانتخابية برمتها بوصفها «غير عادلة».
– صحيفة «غارديان» البريطانية قالت: «إن تلك الانتخابات أعطت أردوغان التفويض المطلق لينزلق بتركيا أكثر فأكثر وبخطوات أسرع نحو نظام الحكم الأوتوقراطي/ نظام حكم الفرد الواحد/ من دون أن يكون هناك ما يوقفه». ووصفت الفوز الذي حققه حزب العدالة والتنمية بأنه صدمة.
– صحيفة «إندبندنت» قالت في مقال لها: «إن تركيا تسير في الاتجاه الخطأ، وإن أوروبا تساعدها في هذا السير»، ووصفت يوم الانتخابات بأنه يوم أسود لتركيا ولمن يشعرون بالحاجة الملحة لتحقيق معايير الديمقراطية المعاصرة، وإنه ليس من المستبعد أن يجر أردوغان تركيا إلى حرب أهلية.
– أما صحيفة «تلغراف» فقد جاء في افتتاحيتها: إن أردوغان أكد أنه أقوى القادة الأتراك لكنه أكثرهم تقسيماً لهم وأن توحيدهم أضحى مسألة صعبة.
– صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية أكدت على لسان مراسلها في إسطنبول (مارك سيمو) أن حزب العدالة والتنمية فاز في تركيا بفضل ترهيب أردوغان للصحفيين وضغوطه على وسائل الإعلام، وأن السلطات التركية تحارب القيم التي أسست عام 1922 على يد (أتاتورك) مؤسسة الجمهورية والنهج العلماني في تركيا.
– الصحفي التركي المرموق في صحيفة «جمهورييت» التركية تلقى وهو في لندن على هاتفه المحمول رسالة من أردوغان يقول فيها: «سوف تدفع ثمن موقفك هذا.. أنا وراءك حتى النهاية» والسبب أن الصحفي المذكور نشر تقريراً مرفقاً بصور عن التحقيق في إرسال شحنات أسلحة للإرهابيين في سورية.
– صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية قالت في افتتاحيتها: إن «تكتيكات التخويف التي اتبعها أردوغان قد أثمرت.. وإنه سيستخدم المزيد منها للانتقام من معارضيه ومنتقديه من أجل تقوية سلطات رئيس الجمهورية».
– صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية قالت: إن حزب أردوغان نظم الانتخابات في مناخ من التأزم وعدم الاستقرار والتخويف ليجبر الناخبين على اختيار ما سماه الاستقرار». وبدورها أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية إلى أن أردوغان استفاد من الاضطرابات التي جرت في تركيا بتدبير منه ووظفها لمصلحته، هذا إلى جانب أنه استفاد من اللقاء الذي جمعه مع المستشارة الألمانية ميركل منتصف تشرين الأول الماضي، عندما وعدته بإمكانية دخول الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي من دون الحاجة إلى تأشيرة دخول، إذا قامت تركيا بالتعاون على إيواء لاجئي الشرق الأوسط في تركيا بدلاً من استمرار تدفقهم إلى أوروبا.
إذاً هذه لمحة موجزة عن أصوات المنظمات والصحف العالمية وخاصة منها الأميركية والغربية التي تشكك في نزاهة هذه الانتخابات التي فاز بها أردوغان وحزبه مؤخراً، وتنتقدها وترفضها.