اولاند وخيارات تغيير سياسته لا تغيير النظام؟!
تحسين الحلبي :
هل ستشكل العمليات الإرهابية الوحشية التي نفذتها مجموعات داعش في باريس صدمة كافية لكي يُدرك الرئيس الفرنسي «أولاند» وحكومته أنه آن الأوان لإجراء تحولات في سياسة فرنسا تجاه سورية والقيادة السورية التي تتصدى منذ سنوات كثيرة بجيشها وشعبها لما هو أبشع من هذه العمليات الإرهابية؟! يبدو أن التاريخ سيدشن بعد هذه العمليات في باريس مرحلة يمكن أن نطلق عليها «مرحلة ما بعد 13/11/2015» وبطريقة تقلب «السحر على الساحر» وليس بطريقة الرئيس بوش الابن في عام 2001.
لقد حذر الرئيس الأسد منذ بداية الإنشغال الفرنسي والأميركي والبريطاني في استغلال الأزمة في سورية حين بدأت هذه القوى الثلاث تسخر المال العربي النفطي ودوله وأسلحته لتعزيز قدرة المجموعات الإرهابية في سورية من أن هذا الدعم والتأييد لهذه المجموعات سيرتد على شكل عمليات إرهابية ضد المحرضين والداعمين والمتواطئين لأنه لن يميز بين أحد.. كانت فرنسا ومخابراتها لا ترى أمامها في تلك الأوقات سوى هدف واحد هو «تغيير النظام» على الطريقة الأميركية- الفرنسية- البريطانية الاستعمارية القديمة وأصبحت ممسوسة لتحقيق هذا الهدف المعادي لإرادة شعب وحريته في اختيار رئيسه وحكومته فغاب عن أجهزة الحكم والمخابرات الفرنسية متابعة أخطار هؤلاء الإرهابيين الذين تعززت بيئتهم الحاضنة في فرنسا وأوروبا بفضل سياسة فرنسا في دعم الإخوان المسلمين ومجموعاتهم المسلحة وتفريخهم لمجموعات ارتبطت بمنظمة القاعدة وتحولت إلى حليف لهم ضد الحكومة والجيش العربي السوري.. لقد سارت القيادة الفرنسية وراء سياسة أوباما في المنطقة وأصبحت الإدارة الأميركية تضم معها فرنسا في كل موقف معادٍ لسورية وعلى الطريقة الأميركية التي توفر «للتكفيريين» نشر القتل والدمار بأموال سعودية وقطرية في سورية وليبيا واليمن والعراق وما كان لهذا الانتشار أن يبدأ بالانحسار في نهاية هذا العام 2015 لولا صمود الجيش العربي السوري والدعم المباشر الروسي العسكري ودعم المقاومة اللبنانية وإيران في جبهة واحدة ضد هذا الإرهاب.
في كانون الثاني 2015 لم تفهم القيادة الفرنسية الرسالة التي حملتها عملية داعش ضد «المجلة الساخرة» «تشارلي ايبدو» واستباحة الإرهابيين لشارع فرنسي في وضح النهار بعد قتل ما يزيد على 12 موظفاً في مقر المجلة واعتبر «أولاند» أنه طهر باريس من الإرهاب حين قتل الأمن الفرنسي المجموعة الإرهابية في ذلك الوقت فاستمر بدعم أوصياء هذه المجموعات وتقديم التأييد السياسي لهم والتمسك بشعار «تغيير النظام في سورية» وها هو بعد عشرة أشهر يجد أن الإرهاب وصل إلى المنصة التي كان يجلس فيها في الملعب الرياضي لكرة القدم في قلب باريس وانتشر القتل والدمار في خمسة مناطق في عاصمته دفعة واحدة ليقتل المدنيين والشباب والأطفال على غرار ما فعلته المجموعات التي كان يقدم التأييد والدعم لها في سورية وبشكل أشد وحشية حين كان يرى هو والعالم كيف كانوا يقطعون رؤوس جنود الجيش العربي السوري والمدنيين السوريين ويعرضون هذه الوحشية على شاشات القنوات ومواقع «اليوتيوب»…
كان الشعب الفرنسي والرأي العام ضد كل هذه المجموعات بينما كان قادة واشنطن وباريس ولندن وحلفاؤهم في المنطقة يصبون الزيت على النار وينفذون سياسة نقل هذا الإرهاب الداعشي وأمثاله من سورية إلى لبنان إلى العراق ضمن خطة ممنهجة لتقسيم كل دولة وكل منطقة.
لم يكن يتصدى للإرهاب مع سورية سوى روسيا والصين من الدول الكبرى ولأن روسيا نجحت مع الجيش العربي السوري في تدمير القدرة البشرية والمادية العسكرية لمجموعات داعش وأمثالها خلال خمسة أسابيع سارع إرهاب داعش إلى تفجير طائرة ركاب روسية مدنية ليقتل 224 مسافراً معظمهم من الروس وصمتت واشنطن ولندن وباريس واعتبرت أن داعش لن تهاجم أياً من هذه العواصم فإذا بإرهابها ينتقل بشكل وحشي إلى باريس وربما يعود عدن انتقاله حتى الآن إلى دول «الأنغلوساكسون»- بريطانيا وأميركا وغيرهما مصادفة إن لم تكن هناك أيد أميركية خفية قادرة على تسخير داعش بشكل سري نحو أهداف غير أميركية؟!
فالكل يعرف أن واشنطن تعهدت لليمن منذ عام 2002 بتخليصها من مجموعات منظمة القاعدة عن طريق قصف هذه المجموعات بطائرات بلا طيار وها نحن نرى أن منظمة القاعدة تسيطر الآن بعد 13 عاماً على حضرموت وجزء من عدن ولا أحد يقاتلها سوى الجيش اليمني الذي يقوده علي عبد الله صالح وقوات أنصار الله في اليمن… وهذا ما تعرفه فرنسا ولكنها لا تتوجه للعمل بما تقتضي هذه المعرفة من مواقف أم إن الشعب الفرنسي هو الذي سيفرض بعد هذه المأساة ما تتطلبه محاربة الإرهاب من مصداقية ومواقف؟!