فيينا2، بين تسييس الإرهاب.. ومقاربات مسيسة..!؟
عبد السلام حجاب :
من يظن بأن أميركا، وإن غيرت لهجتها وبدلت مصطلحاتها، يعني أنها تخلت عن سياستها المعلنة منذ نحو خمس سنوات ضد سورية، ولا تواصل استكمال فصولها التآمرية عبر دول وأشباه دول وأدوات إرهابية، فإنه مشتبه فيه.
ومن يعتقد أن أميركا لا تبيع أياً من حلفائها إذا استدعت مصالحها ذلك، فإنه مشتبه فيه أيضاً. ولا يفهم ألف باء سياسة واشنطن مزدوجة المعايير التي ترسم خطوطها «إيباك» الصهيونية، فكيف إذاً مع ظهور عالم متعدد الأقطاب!؟
إنه لا شك بأن الأحداث الإرهابية التي ضربت ليل باريس، ألقت بثقلها الدامي على اجتماع فيينا بنسخته الموسعة الثانية. بقدر ما وضعت تصريحات مسؤولين سياسيين وعسكريين أميركان في دائرة تساؤل اتهامي متعدد الاتجاهات حيث إنهم اعتبروا خطر تنظيم «داعش» الإرهابي والتنظيمات الإرهابية الإسلاموية المثيلة الأخرى، ليس خطراً وشيكاً. وأن روسيا هي خطر له الأولوية. في حين كان الرئيس الروسي بوتين أكد أن الموقف الأميركي والغربي إزاء موقفنا في محاربة الإرهاب متحفظ رغم أن الإرهاب يهددنا ويهددهم.. كذلك أشارت الخارجية الروسية إلى أن الهجمات الإرهابية في باريس تستدعي توحيد الصفوف بوجه الإرهاب، كما لفت الرئيس بشار الأسد اهتمام وفد فرنسي التقاه في دمشق إلى «أن السياسات الخاطئة للدول الغربية ولاسيما فرنسا إزاء ما يحصل في منطقتنا وتجاهلها لدعم بعض حلفائها الإرهابيين ساهمت في تمدد الإرهاب الذي لا يعترف بحدود».
ما حدا بالخارجية الروسية إلى دعوة مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات رادعة بحق الدول الداعمة للإرهاب. وهو ما يطرح التساؤل مجدداً بشأن عدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمحاربة الإرهاب، وما إذا كان تعطيلها إحدى الصيغ الأميركية لتسييس الإرهاب، ومقاربة مسيسة ضاغطة لاستخدام مفاعيلها في اجتماع فيينا الأخير.
وعلى الرغم من النتائج التي توصل إليها المجتمعون في فيينا2 تحت ضغط مناخات سياسة مضطربة فرضتها أحداث باريس الإرهابية وتداعياتها الأوروبية، وتسارع الإنجازات الميدانية وفاعليتها التي يحققها الجيش العربي السوري وسلاحه الجوي بتعاون شرعي مع القوات الجوية الروسية للقضاء على الإرهاب كبوابة لحل سياسي يقرره السوريون فإنه يمكن القول إن سياسة المصالح البراغماتية الأميركية، لم تجد بداً من اللجوء إلى مفردات ومصطلحات سياسية ترضي نزعتها الإمبراطورية السياسية ولا تنقذها علاقة المصالح التآمرية مع أطراف حلفها مثل نظام العثماني أردوغان وحكام بني سعود ومشيخة قطر، في محاولة النيل من الحقوق الوطنية السيادية السورية، وهو ما أثار حفيظة الوزيرين الروسي لافروف ونظيره الإيراني ظريف وإعادة التأكيد في البيان الختامي على حق السوريين وحدهم بتقرير مستقبل بلدهم بعيداً عن أي أجندات أو إملاءات أو أحلام طوباوية. وهو ما أكده الوزير لافروف في المؤتمر الصحفي المشترك عقب الاجتماع.. بأن دورنا محصور بمساعدة السوريين على حل الأزمة من دون أي تدخل خارجي أو أجندات مسبقة.
ولكن الواقعية السياسية تفرض على المراقب أن يأخذ باعتباره عدة احتمالات تشي بها حتمية القوة الضاغطة للمصالح الأميركية التي تواجه حالة ارتباك وتراجع، ومن هذه الاحتمالات:
1- إشاعة مناخات حرب محدودة مباشرة تنفذها أطراف مأزومة داخلياً وخارجياً مثل العثماني أردوغان وحكام بني سعود ومشيخة قطر في محاولة للهروب إلى الأمام حيث لكل منهم أجندته الخاصة في دعم الإرهاب. وينقذ واشنطن من حصار التخبط إزاء التزاماتها المعلنة سواء أمام حلفها أو أمام روسيا. ولقد أشار لافروف إلى أن الشركاء يحاولون التهرب من العمل الحقيقي ومن المفاوضات الواقعية، بعد أن أصبح اجتماع فيينا آلية رئيسية للتسوية في سورية، ولا يجوز للاعبين الخارجيين حسم نتائج الحوار السوري – السوري مسبقاً.
2- مواصلة تقديم حقن إنعاش تسليحية ولوجستية أكثر فعالية للجماعات الإرهابية ما يطيل أمد الأزمة في سورية لمصلحة حسابات افتراضية مأمولة تصب في خدمة المشاريع الأميركية وأطماع الكيان الإسرائيلي.
3- محاولة الاستثمار في الأحداث الإرهابية التي وقعت في باريس بتحريض حكومة فرنسا لاتخاذ خطوات أبعد مدى رغم ما يحمله ذلك من مخاطر وتداعيات لا تتعلق بمحاربة الإرهاب بل لتخريب الأمن والسلام في المنطقة والعالم.
ولا جدال بأن محاولات بث الحياة في مصطلحات فقدت صلاحيتها لتكرار فشلها، أو إنعاش إرهاب بلغ حدود الموت واقعياً، لن تحد من فشل سياسة واشنطن بتصنيع ودعم الإرهاب الذي تحاربه سورية ومنذ خمس سنوات وما تزال. فالسياسات الخاطئة لا بد من أن تؤدي إلى نتائج أشد كارثية، ما يعني ضرورة الابتعاد عن المصطلحات العائمة والمصالح الضيقة الضاغطة. والتوجه بنزاهة ومسؤولية وفقاً لما خلص إليه اجتماع فيينا2 إلى محاربة الإرهاب بكل مسمياته وأجنداته وعدم المراهنة عليه والانخراط في جبهة دولية موحدة على أساس القانون الدولي إلى جانب الجهد المعلن والشرعي الذي تقوم به سورية وروسيا وحلفاؤها في طهران وبغداد وبكين ودول أخرى في ضوء الإنجازات التي يحققها تعاون الجيش العربي السوري مع سلاح الجو الروسي في معركة القضاء على الإرهاب والتي وصفتها الرئاسة الروسية بأنها إنجازات إستراتيجية في محاربة الإرهاب.
وما من شك بأن نتائج اجتماع فيينا 2 سوف تبقى مرهونة بالأفعال واتجاهاتها المختلفة سواء كانت إيجابية بناءة كالتوافق على قائمة التنظيمات الإرهابية في سورية التي لن يكون مسموحاً لها بالجلوس إلى طاولة الحوار بين السوريين كما هو حال تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين والمدرجين على قوائم الإرهاب الدولية. أو سواء كانت سلبية تغري بعض الأطراف التي شاركت وهي معروفة وموصوفة بدعم الإرهاب وتسليحه وتمويله، بالمغامرة والمقامرة وخاصة أن حلف واشنطن الإرهابي لن يكون خارج أجنداته وأن تواجه السقوط.
إن سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد وهي تتابع مسؤولياتها الوطنية في القضاء على الإرهاب بدعم وتأييد الحلفاء والأصدقاء، تجد في هذا المسار بوابة نجاح لأي جهد سياسي صادق ونزيه بما فيها جهود دي ميستورا في هذا الاتجاه ويساعد على خلق المناخ السياسي المطلوب للتوصل إلى حل سياسي يلبي طموحات السوريين وحقوقهم الوطنية بقرارهم السيادي المستقل. ولم يعد خافياً أن إنجازات وتضحيات رجال الحق في الميدان والصمود السوري الأسطوري تشكل حجر الزاوية ليس في دحر الإرهاب والقضاء عليه وقد أصبح تهديداً خطيراً للعالم فحسب بل أيضاً في بناء سورية كما يريدها السوريون بقيادتهم الشجاعة ولا أحد سواهم.