فايزة أحمد في ذكرى ميلادها … قدمت أغنية «ست الحبايب» التي لا تزال أشهر وأجمل أغنية للأم
| وائل العدس
«صوتها مثل الألماس غير قابل للكسر».. كلمات بسيطة وصف بها الموسيقار محمد عبد الوهاب صوتها في بداية مسيرتها الفنية، مقدمة خلال 27 عاماً أروع الأغنيات التي مازالت تلعب على أوتار قلوب مستمعيها، حتى لقبها الشاعر كامل الشناوي بـ«كروان الشرق».
تعد الفنانة السورية فايزة أحمد (1934-1983) واحدة من ألمع الفنانات العربيات في الموسيقا، لها صوتها الخاص، وحضورها المميز في تاريخ الأغنية العربية، ولا تزال أغنياتها جزءاً مهماً من حياتنا الموسيقية، واسمها الحقيقي فايزة أحمد بيكو الرواس.
غنت لكل الفئات، فقدمت «ست الحبايب» التي ظلت ولاتزال أشهر وأجمل أغنية للأم يتغنى بها الجميع، وأغنية أخرى تعبر بها عن دق الحب لباب القلب لأول مرة في «يامة القمر على الباب»، وعندما تجتمع الأسرة في مناسبة سعيدة نجد أن «بيت العز يا بيتنا» أفضل من يعبر عن شعور «لمة العيلة»، وأيضاً أغنية «تعالالي يابا» التي تدفعك للبكاء عندما تتذكر أباك الذي رحل تاركاً هموماً تثقل أكتافك، ولم تشعر بها إلا بعد رحيله.
ولدت في صيدا بلبنان وعادت عائلتها إلى دمشق وكانت طفلة صغيرة لم تبلغ الحادية عشرة من عمرها.
تقدمت للإذاعة السورية لكنها لم توفق في البداية، وسافرت بعدها إلى حلب وتقدمت لإذاعتها ونجحت وغنت وذاع صيتها فطلبتها إذاعة دمشق وعادت لتكمل مسيرة نجاحها وتدربت على يد الملحن محمد النعامي.
أصبحت فايزة أحمد مطربة معتمدة في إذاعة دمشق، ثم سافرت إلى العراق والتقت الموسيقار العراقي رضا علي الذي كتب كلمات وألحان مجموعة أغانٍ باللهجة العراقية.
بعد ذلك سافرت إلى مصر، وهناك تقدمت للإذاعة المصرية في القاهرة حيث قدمها الإذاعي صلاح زكي في أغنية من ألحان محمد محسن.
ثم التقت بالموسيقار محمد الموجي فشكلا خطاً غنائياً يميزها عن غيرها من خلال عدة أغانٍ أحدثت ضجة كبيرة.
لحن لها أيضاً كمال الطويل ومحمود الشريف، وغنت من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب أغنية «هان الود»، والتقى بها بليغ حمدي ولحن لها عدة أغان.
كما لحن لها الموسيقار محمد سلطان وغنت له العديد من الألحان وكانت أغنية «ايوه تعبني هواك» هي آخر أغنية قدمتها له، أما أغنية «لا يروح قلبي» التي لحنها رياض السنباطي فهي آخر ما غنته.
سجلت أكثر من 320 أغنية للإذاعة و80 أغنية تلفزيونية وعشرات الحفلات، من أشهر هذه الأغاني «أنا قلبي ليك ميال، يا غالي عليا، أحبه كثيراً، إزاي أنساك، ما تحبينيش بالشكل ده، يا حلاوتك يا جمالك»، إضافة إلى نشيد «ماشي بنور الله».
اتجهت للسينما وشاركت في ستة أفلام وكان أنجح حضور سينمائي لها في فيلم «أنا وبناتي» عام 1961، أما آخر أفلامها فكان «منتهى الفرح» عام 1963.
أما باقي أفلامها فهي «تمر حنة» عام 1957، و«امسك حرامي» عام 1958، «المليونير الفقير» عام 1959، «ليلى بنت الشاطئ» عام 1959.
أسمر يا أسمراني
في عام 1957 قدّمت فايزة أحمد أغنية «أسمر يا أسمراني»، والتي تم تقديمها في فيلم «الوسادة الخالية» لعبد الحليم حافظ، والذي قام بعدها بتسجيل الأغنية بصوته، ما أغضبها واعتبرت الأغنية حقاً لها، وخصوصاً أنها حققت نجاحاً كبيراً وقت عرض الفيلم، فقررت أن ترد الموقف بطريقة ساخرة فغنت «هاتولي وابور الحريقة»، والتي كانت على وزن أغنية حليم «قولوا له الحقيقة»، وظل الخلاف لفترة حتى إنهما كانا لا يتشاركان في أي حفل من المفترض أن يجمع بينهما، حتى تم الصلح عام 1973.
زيجات قاسية
تزوجت فايزة أحمد 5 مرات وأنجبت من زوجها الأول الذي عاشت معه في سورية ابنتها «فريال»، وأنجبت من زوجها الثاني من رجل سوري ابنها «أكرم»، أما الزوج الثالث فكان عازف الكمان المصري عبد الفتاح خيري، الزوج الرابع كان الموسيقار المصري محمد سلطان واستمر الزواج 17 سنة وأنجبت من خلاله التوءم «طارق وعمرو» وتم الانفصال سنة 1981، في حين استمر زواجها من زوجها الخامس سنتين ولغاية وفاتها.
كانت حياتها الخاصة مملوءة بالمآسي لم تعش منها سوى 17 عاماً هادئة وهي فترة زواجها من الملحن محمد سلطان، وهو ما أخبرته به في آخر لحظات حياتها بحسب ما روى قائلاً: إنها سافرت إلى الولايات المتحدة للعلاج، حيث خاضت رحلة علاج مريرة باءت بالفشل، ثم عادت لتستأنف علاجها في مصر، وقرر العودة إليها بعد انفصالهما للوقوف إلى جانبها في أيامها الأخيرة، حيث نقلها للمستشفى ونامت على صدره تسأله عن عمرها ليندهش من سؤالها، فتخبره: «عمري 17، وهي السنوات التي قضيتها معك كزوجة» ثم فارقت الحياة.
كانت فايزة في الثالثة عشرة من عمرها تلعب وتلهو كزميلاتها في السنة نفسه، وكانت طالبة مجتهدة بإحدى المدارس، حتى تقدم لها شاب أغرى عائلتها بثرائه الفاحش، يملك أموالاً لا تعد، وعلى استعداد أن يشتري لها قصراً فخماً لتسكن فيه، واستطاع بمكره ودهائه خداع أسرتها بأكملها.
وافقت عائلتها على هذا العريس وحددوا موعد الزفاف وفوجئت ذات يوم بعائلتها تخبرها بأنها لن تذهب إلى المدرسة بل ستنتقل إلى بيت الزوجية، ولم تكن تمتلك حق الاعتراض أو حتى إبداء الرأي.
شعرت فايزة بأعراض الحمل في الشهر الأول بعد زواجها، وكان حينها زوجاً حنونا يرعاها، ولكن لم يمض سوى شهرين حتى اتضح كل شيء، حيث اجتمعت أسرتها وطالبت الزوج بأن يطلقها، اندهشت فايزة من قرارهم فقالوا لها: إن هذا الرجل لم يكن صادقاً في كلمة واحدة، فقد تزوج عشرات المرات، امرأة تلو أخرى ويطلقها، وإذا أنجب منهن كان تاجراً يبيع أبناءه للأرمن المقيمين في بيروت، أما زوجاته السابقات فكان يدفعهن للعمل ليستولي على أموالهن.
انسحب زوجها الأول وقرر طلاقها خوفاً من بطش أسرتها، أما سبب زواجه الحقيقي منها فكان معرفته أن لها صوتاً عذباً فرآها مشروع المستقبل لتحقيق مكسب مربح، حيث أراد استغلالها واستغلال صوتها.
ولم يتنازل عن ابنته كما قيل فقد كانت «فريال» في رعايتها منذ ولادتها وهذا حقها الشرعي، وكان قد هددها برفع دعوى بضم ابنتها إليه ولكنها كانت قد تنازلت عن كل حقوقها تجاهه من نفقة وحضانة لتتولى تربية ابنتها، إلا أنه عاد يهددها بعدما أصبحت مشهورة وتمتلك المال، فرضخت وكانت تعطيه المال دائماً، ولكن ليس لخوفها من تهديداته، قائلة: «بل كان إشفاقاً عليه كوالد ابنتي التي كنت لا أريد أن أثير لها مشاكل قد تؤثر في مستقبلها، وعندما وجدت أنه استمر بهذا الشكل قررت الطلب من أسرتي التدخل فرفعنا دعوى نطالب بالنفقة، وحصلنا على حكم ضده، إلا أنه هرب عندما شرعنا ننفذ عليه الحكم».
زيجتها الأخيرة كانت هي الأسوأ، فبعد طلاقها من محمد سلطان دفعتها صدمتها لقرار متهور، حيث قررت أن تتزوج وفوراً وبلا أي تفكير، وتزوجت من ضابط مرور مصري يصغرها بأكثر من 10 سنوات، ورغم كل الدلائل والشواهد التي كانت تؤكد إخفاق هذه الزيجة، صممت على خوض التجربة لنهايتها، لتكشف عن شخص ذي أخلاق غريبة، حيث بدأ بالضرب والإهانة لدرجة أنه كاد يلقيها من الطابق السادس عشر هي وابنتها «فريال» وساعدها حينها محمد سلطان على تحرير محضر ضده بمحاولة قتلها.
توسلت لإنهاء العلاقة الزوجية، وبدوره قام زوجها بابتزازها فلبت كل طلباته، بدفع مبلغ نقدي 35 ألف جنيه مصري، وسيارتها الخاصة ماركة مرسيدس، وتم الانفصال وخرجت الصحف آنذاك لتعلن عن أسباب طلاقها وما كلفها من خسائر مادية ومعنوية كادت تقضي عليها.
بعد هذا الطلاق أصيبت فايزة أحمد بانهيار عصبي، ثم تطور مرضها لتصاب بالسرطان، وسافرت في رحلة علاج إلى أميركا، ثم عادت منها لتستأنف العلاج في مصر، وتدهورت صحتها ودخلت على أثرها العناية المركزة إلى أن رحلت عن عالمنا يوم 21 أيلول 1983.
عن اتهامها بكثرة الزيجات أجابت كروان الشرق بأنها إذا كانت لم توفق في زيجاتها السابقة فإن هذا قسمة ونصيب وليس ذنبها أن هذه الزيجات لم تستمر وأن اللـه عوضها بزوجها الموسيقار محمد سلطان.