قضايا وآراء

الاحتلال الأميركي وانسحابه المتوقع

| تحسين الحلبي

كان من اللافت أن تنشر المجلة الأميركية «ذي أميركان كونسيرفاتيف» الشهيرة في موقعها الإلكتروني في 7 كانون الأول الجاري، تحليلاً بقلم غالين كاربينتر، الباحث رفيع المستوى، في «معهد كاتو للدراسات» الذي نشر 12 كتاباً عن الشؤون الدولية، يكشف فيه من العنوان المثير الذي اختاره له عن الدور القذر الذي قامت به واشنطن وأوروبا مع الأكراد العراقيين والسوريين، فتحت عنوان: Washington’s Kurdish Client Collapses

وترجمته الحرفية: «العميل الكردي لواشنطن ينهار»، وقد تعني كلمة Client الإنكليزية: التابع أو الموكل أو الزبون المتعامل، وكلها تشير للتفسير الأميركي لطبيعة العلاقة بين واشنطن والمجموعات الكردية المسلحة في العراق وسورية.

يكشف كاربينتر بكلماته نفسها أن «علاقة الحب الأميركية مع المجموعات الكردية توسع من العراق إلى دعم المجموعات المسلحة الكردية في سورية»، وأن «واشنطن أرسلت قوات عسكرية لحماية دور هذه المجموعات ووعدتها بالاهتمام بدورها كنموذج لمشروع دولة»، أي ضمن خطة تقسيم وخدمة للمصالح الأميركية في سورية، وفي هذه الخطة أرادت واشنطن وأوروبا تمزيق العلاقات الوطنية داخل الصف السوري.

يضيف كاربينتر: «حين وصفت واشنطن وأوروبا المهاجرين على حدود بيلاروسيا بأنهم يشكلون خطراً على أوروبا ويجب منعهم من العبور، تبين أن عدداً لا بأس به منهم هم من أكراد العراق وأكراد سورية الذين خاطروا بحياتهم وفروا إلى أوروبا»، ويعد وجودهم عند حدود بيلاروسيا مشابهاً لوجود مئات الأكراد الذين جمعتهم السلطات الفرنسية في مخيم بائس شمال فرنسا عند حدود بريطانيا التي يريدون اللجوء إليها لمنعهم من الوصول إليها والعمل على إعادتهم إلى دولهم.

يستخلص المراقبون مما يكشفه كاربينتر حقيقة أن الدول الأوروبية ليست بحاجة للأكراد في أوروبا كمواطنين فيها بالمستقبل، بل تريد استخدامهم في مناطق وجودهم وتسليحهم لتنفيذ مخططات غربية لا تخدم سوى المصالح الأميركية والغربية في المناطق التي تقع تحت سيطرة المجموعات المسلحة، يريدونهم في الحقيقة وقوداً لحروب داخلية أشعلتها الولايات المتحدة في المنطقة.

يكشف كاربينتر أن الوضع الذي صورته وسائل الإعلام الأميركية عن «الاستقرار والحياة الرغيدة في إقليم كردستان العراق» والدور الأميركي والأوروبي في تحقيقه كان مجرد أوهام لأن السكان الأكراد أنفسهم يفرون من هناك باتجاه أوروبا التي تعمل على إعادتهم لاستغلالهم في مشاريعها التقسيمية داخل مناطق وجودهم، ويعرض كاربينتر صورة عن الفساد وفقدان الأمن في المناطق التي سيطرت عليها مجموعات مسلحة كردية شمال شرقي سورية وما تشكله من معاناة للأكراد أنفسهم من المواطنين السوريين، ورغم الدعم الذي تقدمه واشنطن لهذه المجموعات بالسلاح والعتاد، إلا أنها لا تريدهم إلا لحماية وجودها في المناطق التي احتلتها في شمال شرقي سورية واستخدام الشباب منهم لحراسة وحداتها العسكرية وأن يموتوا هم ويحيا جندي الاحتلال الأميركي.

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال: ألا يشكل انسحاب بقية القوات العسكرية الأميركية من العراق قبل أيام، درساً للمجموعات الكردية المسلحة التي ترهن نفسها للوجود الأميركي ودعمه لها؟

يبدو أن الإجابة عن هذا السؤال نستنتجها من حقيقة أن مشروع تقسيم العراق، وهو الذي دام العمل ووضع الخطط وشن الحروب من أجل فرضه عشرات السنين، أخفق رغم استغلال واشنطن لكل قدراتها، بل احتلالها لكل أراضي العراق في عام 2003 ونشر ما يزيد على 200 ألف من القوات الأجنبية فيه، فهل سيلقى مشروع مماثل حظاً أفضل حين تسعى واشنطن لفرضه باستغلال بضع مجموعات مسلحة من أكراد سورية في منطقة تنشر فيها ما لا يزيد على ألفي جندي أميركي أصبحوا معزولين بعد انسحاب آخر القوات الأميركية في العراق المجاور؟

إن نظرة محايدة إلى ميزان القوى الموجود في منطقة شمال شرقي سورية من كل نواحي مصادر القوة والقدرة على تفعيلها ووضعها في جبهة ضد الوجود الأميركي والمجموعات المسلحة التي يدعمها تعطي الإجابة التي ستشهدها سورية عاجلاً أم آجلاً وهي انسحاب القوات الأميركية واستعادة الجيش العربي السوري لسيادته على كل تلك المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن