«العكّازة» عرض مسرحي من الواقع السوري … تاتيانا أبو عسلي لـ«الوطن»: عملت على النص لمدة خمس سنوات حتى وصل إلى هذه المرحلة
| سوسن صيداوي - ت: طارق السعدوني
قضايا كثيرة تؤرق البشرية، وفي أوقات كثيرة الهموم نفسها تثقل كاهل الإنسانية، فلا فرق بين اللغات أو الثقافات، فما يؤذي شخصاً بعينه، ممكن أن يؤذي غيره وبالمئات. اليوم في المسرح وفي كثير من العروض، تمكن المعد من مقاطعة النص الأجنبي وتوليفه بذكاء ليصبح محليا، بحمله عبر شخصياته للهموم السورية المتنوعة، وهذا ما لاحظناه مؤخراً بالعرض المسرحي (العكّازة) عن نص (أيولف الصغير) لهينريك إبسن، من إعداد وإخراج: تاتيانا أبو عسلي، إشراف زهير البقاعي على خشبة مسرح القباني بدمشق. في أحداث العرض المتصاعدة يجد المتابع بأن القصة تدور حول عائلة سورية، يعاني ربّها من الاضطرابات النفسية والتي ينقلها مباشرة إلى زوجته، الضعيفة أمام فكرة خسارته، والأخيرة التي أنجبت طفلا وبسبب سقوطه أصيب بعاهة دائمة. صراعات كثيرة بين الممنوع والمرغوب، بين الخطأ والصواب، بين الفقدان والتأقلم ليتتابع العرض وهو من تمثيل بشار الشيخ، تاتيانا أبو عسلي، رولا طهماز، حسين محمود.
في الإخراج والإعداد والتمثيل
بعد العرض توقفنا مع تاتيانا أبو عسلي والتي قامت بإعداد النص المسرحي وإخراجه، إضافة لأداء شخصية (يارا)، وفي حديثها لـ«الوطـن» أشارت إلى أن النص أخذ منها وقتاً وجهداً طويلين استمرا خمس سنوات، وخصوصاً بأنها سعت جادة بأن يأتي العرض متقاطعا مع الواقع السوري وتأثره بالأزمة، لتقول: «في الحقيقة هذا النص كنت قدمت أحد مشاهده في امتحان تخرج مدرسة الفن المسرحي، وشعرت من وقتها بأن فيه الكثير من النقاط التي يمكن مقاطعتها مع واقعنا السوري، وخصوصاً من جهة الطفل السوري وحتى المرأة، فشخصية (ريتا) الأصلية والتي هي في عرضنا (يارا) أثرت بي كثيراً في معاناتها سواء من نرجسية زوجها أو من ابنها الكسيح والأخير الذي لم تستطع تقبله. ومن جهة أخرى بقيت أعمل على النص لمدة خمس سنوات حتى وصل إلى هذه المرحلة، كما أنني غصت في أعماق الشخصيات ما تطلب مني أبحاثا كثيرة، فواقعنا مرير لأننا دائماً نختبئ خلف إصبعنا، ونظلم أنفسنا أولا قبل المحيطين بنا، وهذا ما أظهره العرض مع (طارق) فهو شخص نرجسي ونقل اضطرابه إلى زوجته. وأخيراً هنا حلمت كثيراً أن يرى العرض النور، والحمد لله وبعدما تم تأجيله بسبب كورونا، أخيراً تمكنا من مشاركته مع الجمهور، وهنا أشكر مديرية المسارح لمنحي هذه الفرصة».
وعن اختيارها للممثلين أشارت إلى أن هذا الأمر كان الأشد صعوبة، وخصوصاً بأنه لم يكن متاحا لها العمل مع معظمهم لارتباطاتهم من جهة، أو عدم تبنيهم لفكرة العرض، لتتابع: «طبعاً هذا الأمر طبيعي، وخصوصاً أن المشاركة معنا فيها من المغامرة بالنسبة للبعض، وبالنسبة للبعض الآخر من حقهم الالتفات إلى مصلحتهم ومتابعة «أو ردرات» التصوير، وخصوصاً بأن المردود أفضل في الدراما، وبالطبع تغيّر فريق الممثلين عدة مرات حتى وصلنا إلى هذه النتيجة، والشكر للممثلة رولا طهماز، التي عرفتني على بشار الشيخ وهو خريج ورشات تمثيل وحسين محمود الذي شاهدته بعرض تخرج ورشة التمثيل التي أدارها المخرج مأمون الخطيب، وقد حملا الشخصية بشكل جيد على الخشبة».
بين العاطفة والصواب
تعيش الممثلة رولا طهماز وهي من خريجات المعهد العالي للفنون المسرحية، شخصية (ميلا)، اللطيفة والمحبوبة والتي تتمتع بحس عال من الإنسانية، ولكنها تقع بفخ زوج أختها الذي يقوم بإغوائها، مختارا إياها كي تكون شريكته. التناقض ما بين ما يرغب المرء به وما بين أخذ القرار بالأمور الصحيحة، هو أمر قاسته (ميلا)، وعن دورها حدثتنا: «عندما قرأت النص أعجبتني الشخصية كثيرا، كونها نقيضي تماما، من حيث ميولها العاطفي لزوج أختها، ومن جهة أخرى كيف هذا الأمر يناقض إنسانيتها وتعاطفها مع الجميع من حولها، كما أن فكرة العرض أعجبتني من حيث: لماذا ننجب أطفالا، إذا لم نكن مؤهلين ومسؤولين عن تربيتهم التربية الصحيحة؟». وعن تعاملها مع المخرجة تابعت: «من الأمور الإيجابية بأن المخرجة شابة من جيلنا، وهي شخص مجتهد، وعن النص كانت قد اشتغلت عليه كثيراً كي يصل إلى هذه المرحلة، وهي من جعلتنا نصمد أمام التحديات والصعوبات سواء في وقت البروفات الطويل، إضافة إلى العمل على الجانب النفسي للشخصية. وفي النهاية أتمنى أن أكون قد وفقت وأحب الجمهور العرض».
تحويل النص
من جانبه حدثنا الممثل بشار الشيخ وهو من خريجي ورشات التمثيل، ويقوم بشخصية طارق النرجسية المضطربة، وحولها أضاف: «شخصيتي بالعرض هي شخصية نرجسية ومضطربة، وللأسف من هذا النموذج نحن محاطون، والمدهش بهذه الشخصية ما تعطيه كانطباع أول عن نفسها بأنها شخص لطيف، وبالطبع من يعاني منها هو الشخص الأقرب لمحيطها كالزوجة والعائلة، وأحب أن أشير إلى نقطة بأن هذه الشخصية ليست مضطربة بالنص الأساسي (أيولف الصغير) لهينريك إبسن، ولكن المخرجة أحبت بأن تحولها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أحببت الرسالة التي وجهها النص للنازحين من منازلهم في المحافظات، وكيف كانت النظرة المسيئة نحوهم وقلة من كان يقدم لهم العون».
وأما عن التحديات فقال: «في الحقيقة عندما قرأت النص ترددت، ولكن عندما قرأت النص الأصلي، لاحظت الجهد الكبير الذي بذلته المخرجة في إعداده، وخصوصاً من حيث تحويله إلى نص سوري ببيئته الاجتماعية، ومن هنا قررت بأن أشارك بالعرض، وخصوصاً بأن المخرجة ساعدتنا كثيراً وراهنت علينا».
شيء من الكوميديا
في الختام أخبرنا حسين محمود، وهو الذي قام بشخصية (حسان) عن دوره قائلاً: «يلاحظ الجمهور بأنني من بين كل الشخصيات، ليس لدي أي من العقد أو من الاضطرابات النفسية، فشخصيتي هي الأكثر إتزانا بينهم، والجميل في الدور بأنني أحاول بأن أخرج الجمهور من الجو الكئيب الذي فرضته أحداث القصة، بإلقاء بعض النكات».
وأخيراً تابع حسين بأنه من خريجي ورشة التمثيل التي أدارها المخرج مأمون الخطيب، متابعاً: «المخرجة أبو عسلي وثقت بموهبتنا، وأنا سعيد بالمشاركة معها على خشبة مسرح احترافي، ومن هذا العرض تعرّف الجمهور علينا، وأتمنى بأن نكون وفقنا وحملنا الشخصية على الخشبة بشكل جيد».