تصيبني الحيرة في كل مرة يسألني فيها أصدقائي هذا السؤال الخطر: أين تسهر هذا المساء؟
المشكلة أن عندي خيارات كثيرة جداً ولا مجال هنا لتعدادها خوفاً من الحسد والعين، غير أن المشكلة الأكبر تكمن في السؤال نفسه، فأين ستسهر في رأس السنة؟ وياويلتي كم هو سؤال صعب وجواب أصعب!
حلمي بصراحة أن أفعل كما فعل أحد الأثرياء منذ أعوام قليلة خلت، إذ احتفل بولادة العام الجديد ثلاث مرات بدأت من نيوزيلندا في أقصى شرق كوكب الأرض حيث تناول بعض الطعام والشراب قبل أن يتوجه إلى طائرته التي نقلته بسرعة تحدّت دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس وحطت في مطار أورلي (باريس)، حيث كانت سيارة فخمة تنقله إلى مطعم مكسيم الأشهر فتناول لقيمات وتذوق نبيذ بوردو واحتفل بالعام الجديد من جديد!
ومن هناك عاد إلى طائرته التي واصلت هوايتها بكسر الزمن ودوران الأرض فقطع المحيط الأطلسي وتجاوز الأميركيتين ودخلت في أجواء المحيط الهادي وهبطت في جزر هاواي التي كانت لم تحتفل بعد بولادة العام الجديد، فاحتفل للمرة الثالثة فأكمل عشاءه وتناول الفواكه الإستوائية اللذيذة.
في رحلته شهد ولادة العام ثلاث مرات.. وشاهد الأضواء الملونة والألعاب النارية المدهشة عبر العالم من الشرق إلى الغرب وحقق حلمه في تحطيم قواعد الاحتفال بالسنة الجديدة.
حلمي أن أكسر الرقم القياسي لهذا الثري، بداية من مغادرة دمشق إلى العديد من الدول العربية من دون فيزا وتأشيرة خروج ودخول وموافقات أمنية واقتصادية واجتماعية وفكرية حيث عليك أن تقدم عقلك ليتم فحصه في أجهزة كشف الانتماء الوطني والقومي والسياسي والحزبي والديني والمذهبي!
يستطيع المرء التجول في هذا العالم الواسع بيسر وسهولة إلا العربي الممنوع من تجاوز الحدود بين دولة و(دولة شقيقة) ومن ينسى فيلم الحدود؟
فلا توجهوا اللوم للدول الأوروبية والأميركية عندما ترفض استقبال العرب، إذا كانت الدول العربية ترفض استقبال العربي وترحب بكل من هو أجنبي لأن (الفرنجي برنجي) كما يقولون.
يبدو أنني خرجت عن الموضوع، لذا سأعود إلى السؤال: أين أسهر في ليلة رأس السنة؟
ليتني أستطيع السهر في مدينة سوسة التونسية وتحديداً في مرسى القنطاوي وأمرُّ على سيدي بو سعيد، ثم أنتقل إلى الدار البيضاء أو أغادير قبل أن أحتسي رشفة من النبيذ الجزائري المميز في فندق الأوراسي، أود الاحتفال في مصراتة أو عدن أو عند سفح الهرم وفي دبي والأحمدي وربما في شارع أبو نواس فقد اشتقت للعراق والسمك (المسكوف).
الاحتفال برأس السنة يجب أن يتحول إلى مجلس عزاء في ظل أوضاع العرب، من جهة، ولأننا نودع عاماً من عمرنا المحدود، إنه عام تبخر من أعمارنا يخبرنا أننا نقترب من خط النهاية في سباق المسافات الطويلة.
ودّعوا عامكم.. واستقبلوا العام الجديد، واحلموا من جديد، أما أنا فلن أغادر البيت، أجلس على الأريكة المتهالكة مع ما تيسر من البطانيات و(منقل الجمر) للتدفئة في ظل ضيق ذات اليد بعد أن أصبحت المحروقات خمس نجوم ممنوعة على فقراء الكون.. وكل عام.. وأنتم كما أنتم.